معنى آية دحورًا ولهم عذاب واصب
قال الله تعالى في سورة الصّافات: {دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ}، في سياق الحديث عن الشياطين وقذفهم من كلِّ جانبٍ عند محاولتهم استراق السمع من الملأ الأعلى، ويجب على كل مسلم إدراك معنى آية دحورًا ولهم عذاب واصب مع بيان إعرابها وما تحوي عليه من ثمراتٍ لا بدّ من جنيها والوقوف عندها.
معنى آية دحورًا ولهم عذاب واصب
وقف الكثير من المفسرين وأهل التأويل عند معنى آية دحورًا ولهم عذاب واصب فقيل أنّ: دحورًا: أي مطرودين؛ أي: إنّ الشياطين يُطردون من الاستماع إلى الأحاديث الدّائرة بين الله -جلّ جلاله- والملائكة في السماوات العُليا.
واختلف أهل التّأويل والتفسير في معنى كلمة واصب؛ فقيل عذابٌ واصب: أي موجع مؤلِم، وقيل: عذابٌ واصب: أي دائم، وأفضلُ القولين عذابٌ دائمٌ خالص، وذلك بالاستدلال بما قاله الله -جلّ جلاله- في سورة الصافات في كتابه العزيز: {وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا}، فكان وصفه للدين بأنه دائمٌ ثابتٌ وليس مؤلمًا موجعًا.
وممّا جاء أيضًا في تفسير قوله -تعالى- في سورة الصافات: {دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ}، ما ورد في تفسير الوسيط للطنطاويّ في هذه الآية: دحورًا: مفعولٌ لأجله؛ أي: قُذِفوا -كما ذُكر في الآية السّابقة لها- من أجل طردهم، فُتفسّر الآية: كلّما حاول الشيطانُ ومَن اتّبعه الاستماع إلى الله -تعالى- والملائكة في السماء قذفهم اللهُ تعالى بالشّهب والنيران المُحرِقة لإبعادهم وطردهم عن الاستماع، وصاحبَ ذلك عذابٌ دائمٌ لا انقطاع له.
ومن ناحيةٍ أخرى قال السعديّ في تفسير الآية السّابقة من سورة الصافات: إن ذلك العذاب كان بسبب تمرّدهم على طاعة الله -تعالى- وعدم التزامهم بما أمرهم به، وأمّا ابن عاشور فقال في تفسير هذه الآية الكريمة من سورة الصافات: انتصب المصدر: دحورًا على أنّه مفعولٌ مطلقٌ منصوب للفعل المبنيّ للمجهول: يُقذفون، فالقاذفُ هنا معلومٌ وهم الملائكة الموكلون بذلك، وواصبٌ: هو عذابٌ دائم لا ينفكُّ عنهم مُلازمٌ لهم.
وقد يكون المقصود بالعذاب هنا عذابُ الطّرد والقذف كلّما حاول الشياطين أن يستَرِقوا السّمعَ لمجالس الله والملائكة، فقد جُبِلوا على تكرار الذنوب والمحاولات، وقد قرأ بعضُهم كلمة ” دحورًا ” بفتح الدّال؛ فتكون مصدرًا على وزن فَعول، وقد جعلها بعضُهم كالفرّاء اسم فاعل؛ أي: يُقذفون بما يدحرهم بدحور، ثمّ حُذِفَت الباء.
أمّا فيما جاء في تفسير الألوسيّ في معنى: ” مدحورًا ” من الآية الكريمة من سورة الصافات فمن الممكن أن تكون سبًبا للقذف؛ فهي مفعولٌ لأجله، ومن الممكن أن تكون مفعولًا مطلقًا مبّينًا للنّوع ومؤكّدًا لمعنى القذف: كقعدتُ جلوسًا، فهما متلازمان يقوم أحدُهما مقام الآخر، وقد قرأ أحدهم دحورًا بفتح الدّال؛ فتكون بذلك على وزن فَعول كطهور وغسول، ومن الممكن أن يكون صفةً كصبور، فيكون المراد: قذفًا صفته دحورًا، وقد يكون مصدرًا كالقَبول.
اقرأ أيضا: معنى آية فالزاجرات زجرا
إعراب آية دحورًا ولهم عذاب واصب
الإعراب هو شكلٌ من أشكال التفسير، فيه يتمّ المعنى ويتّضح، فهما شيئان متلازمان يُكمل أحدهما الآخر، وفيما يأتي إعراب كلمات آية دحورًا ولهم عذاب واصب واحدةً تلو الأخرى تفصيليًّا:
- دحورًا: قيل فيها: نائب مفعول مطلق منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظّاهرة على آخره وهو مُرادِف ليُقذفون، وقيل: حال منصوبة وعلامة نصبها الفتحة الظاهرة على آخرها، وقيل: مفعولٌ لأجله منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
- ولهم: الواو حرف عطف، واللام: حرف جرّ، والهاء: ضمير متّصل مبنيٌّ على الضمّ في محلّ جرّ بحرف الجّر، والميم: علامة جمع الذكور، والجار والمجرور متعلّقان بخبرٍ مُقدَّمٍ محذوف.
- عذابٌ: مبتدأ مؤخّر مرفوع وعلامة رفعه الضّمة الظّاهرة على آخره.
- واصب: صفة عذاب مرفوعةٌ مثلها وعلامة رفعها الضّمة الظاهرة على آخرها، وجملة ولهم عذاب جملةٌ اسميّةٌ معطوفةٌ على جملة لا يَسَّمَّعُونَ.
اقرأ أيضا: أسباب نزول سورة الصافات
فوائد من آية دحورًا ولهم عذاب واصب
جعل اللهُ تعالى في كلِّ آيةٍ معنى، وكان من أهمّ المهامّ الواقعة على عاتق التفسير استنباط واستخراج ما في الآية من ثمراتٍ وحكمٍ ودروسٍ يستفيد منها الإنسانُ في حياته، وتكون له بمثابة البَوصَلة التي تهديه وترشده إلى طريق الحق الصّواب، ومن الثمرات المستفادة من قول الله تعالى في سورة الصافات: {دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ} ما يأتي:
- إنّ العذاب الدائم الذي فرضه الله -جلّ جلاله- على الشياطين المسترقين السّمعَ لمجالسه -جلّ شأنه- مع الملائكة كان نتيجة محاولاتهم المتكرّرة والمستمرة لاستراق السّمع، وذلك ينطبق على الكثير من المذنبين والعاصين لأوامر الله تعالى، والذين يُصرّون على الذنب والمعصية والتّمرد على أوامره، فيستحقون العذاب الدّائم والمتجدّد كلّما زادوا وأصرّوا على طغيانهم وكفرهم، فكان ذلك كلّه ليس عن عبث بل نتيجة أفعالهم وسلوكهم فحقّ عليهم ذلك العذاب.
- إنّ العذاب الأكبر الذي يعذّب الله -جلّ شأنه- به مَن يعصي أوامره ويصرّ على تلك المعاصي هو الطّرد والإبعاد؛ أي الطّرد من رحمة الله -تعالى- ومجالسه، وهو من أشدّ أنواع العذاب وأقساها وأكثرها إذلالًا للكافرين العاصين، وقد اختارها المولى -عزّ وجلّ- لمَن يستحقّ ذلك العقاب نتيجة أفعاله ومعاصيه.
- إنّ العذاب الذي يستحقّه الكفّار ليس عذاب الطّرد والإبعاد فقط، بل لهم عذابٌ في الآخرة دائمٌ وثابتٌ نتيجة ما اقترفته أيديهم من ذنوبٍ ومعاصٍ، وما أصرّوا عليه من تلك الذنوب، فالثواب والعقاب من جنس العمل، واللهُ أعلم.
اقرأ أيضا: فوائد النجوم في سورة الصافات