معنى آية فلما رأته حسبته لجة

قال الله تعالى في سورة النمل: {قِيلَ لَهَا ٱدْخُلِى ٱلصَّرْحَ ۖ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ۚ قَالَ إِنَّهُۥ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ ۗ قَالَتْ رَبِّ إِنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَٰنَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ} وذلك في سياق الحديث عن قصة سليمان عليه السلام مع بلقيس ملكة سبأ، ويبحث الكثيرون عن معنى آية فلما رأته حسبته لجة وتفسيرات العلماء لها.

معنى آية فلما رأته حسبته لجة

معنى آية فلما رأته حسبته لجة

إنّ معنى آية فلما رأته حسبته لجة أنّ نبي الله سليمان -عليه السلام- أراد أن يبيِّن لملكة سبأ صدق قوله من خلال ذلك الصرح الذي هو معجزةٌ بحدِّ ذاته في بنائه وتصميمه، فعندما رأت بلقيس الصَّرح وحسبته ماءً كثيرًا كشفت عن ساقيها لتخوضه فأخبرها أنَّه صرح من الزجاج، فلما نظرت إلى عظمة ما تراه تأكدت أنَّ سليمان لا يرمي من دعوتها إلى الإسلام إلا الحق، وأسلمت من فورها طاعة لله -سبحانه- ولنبيِّه سليمان عليه السلام.

لقد سخّر الله لنبيِّه سليمان -عليه السلام- من المُلك ما لم يُسخِّر لغيره من النَّاس فكانت الجن تأتمر بأمره والطير والريح وغيرهم، حتى أنه في يوما كان سليمان يتفقَّد ملكه فإذا بالهدهد غائبٌ وأقسم سليمان بأنَّه معذبه إن لم يأت بحجةٍ لتبرير غيابه.

وكانت حجة الهدهد أنَّه عثر على قومٍ تحكمهم امرأة ويعبدون الشمس من دون الله، وما كان من سليمان إلا أنَّه دعاهم لتوحيد الله وبعد أحداثٍ ليست بالقليلة أرسل سليمان في طلب ملكتهم وهي بلقيس، فأرد أن يُريها شيئًا من عظمة ملكه.

أمر سليمان -عليه السلام- الجنَّ بأن يبنوا لها صرحًا ومعنى الصَّرح في اللغة العربية أي هو القصر أو البناء العالي المرتفع، ومنه ما قاله فرعون لهامان في قوله تعالى في سورة غافر: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ}، وكان ذلك الصرح مبنيًّا من القوارير أي الزُّجاج قال تعالى في سورة النمل: {فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً}،

وقد أجرى سليمان -عليه السلام الماء من تحته فكان ذلك الزجاج حاجزًا ومانعًا ما بين الماشي والماء من تحته، وروي عن محمد بن كعب القرظي أنَّه لما أراد سليمان أن يتزوج بلقيس ذكروا له كثيرًا من جمالها وبهائها إلا أنَّهم قالوا له: إنَّ مؤخرة أقدامها مثل مؤخرة أقدام الدابة، فأراد أن يتحقق من الخبر فبنى ذلك القصر لها حتى تحسبه ماءً وتكشف عمَّا يريد رؤيته.

وقد روي في الخبر أنَّها لما رأته وحسبته لجةً أي ظنته ماءً كشفت عن ساقيها وكانت ساقاها من أحسن السِّيقان وأجملها إلا أنَّها كثيفة الشعر على السَّاقين فسأل عمَّا يُذهب ذلك الشعر، فأجابوه: بالموسى، ولكنَّه كره الموسى فصنعت له الشَّياطين النورة فهي تُستعمل منذ ذلك اليوم.

وقيل أيضًا أنَّها لما حسبته ماءً قال لها سليمان: لا بل إنَّه مملسٌ مستوٍ وليس هو بالماء، ودعاها إلى الإسلام فأسلمت وحسن إسلامها، واعترفت بظلمها لنفسها إذ كانت تعبد غير الله، وقد وقع في نفسها بداية الأمر -عندما رأت الصرح- وظنَّته ماءً أنَّ سليمان يُريد أن يُغرقها فيه.

وقد ذكر عن مجاهدٍ في معنى الصَّرح أنَّه بركةٌ من الماء ضرب عليها سليمان -عليه السلام- القوارير، وأضاف إلى ذلك بعضٌ من أهل السَّلف أنَّ سليمان قد جمع تحت ذلك الماء هوامٌ من دواب البحر، وكان لشدة بياض الزجاج يحسبه النَّاظر بحرًا أو لجَّةً من البحر؛ لذلك كشفت عن ساقيها، ومعنى حسبته لجةً أي ظنته بحرًا.

وربما الذي دعا سليمان إلى ذلك الفعل هو ما أراد أن يتبيَّنه من فهمها وعقلها كما كانت تفعل هي من توجيه إرشاداتها للوصيفات والوصفاء لتتبين الذكور من الإناث منهم.

اقرأ أيضا: معنى آية إذ نفشت فيه غنم القوم

فوائد من آية فلما رأته حسبته لجة

فوائد من آية فلما رأته حسبته لجة

بعد الوقوف على معنى آية فلما رأته حسبته لجة، لا بدَّ من النظر إلى الفوائد المستقاة من تلك الآية الكريمة:

  • إنَّ موقف بلقيس من دعوة سليمان -عليه السلام- لعبادة الله الواحد الأحد لم يكن موقف كبرٍ أو تجبُّر، بل استمعت إلى دعوته وما يريده بقلبٍ واعٍ حتَّى إذا أدركت أنَّ ما يدعو إليه هو الحقيقة أذعنت لأوامر الله وأسلمت وأعلنت توحيدها، وندمت على ما كان منها عندما مالت في وقتٍ من الأوقات إلى عبادة ما لا يسمع ولا يغني عن الحقِّ شيئًا، وهذا ما اختلفت فيه عن غيرها من المشركين الذين لا تزدهم الدلائل إلا استكبارًا في الأرض وعلوًّا حتى يأتيهم العذاب الأليم.
  • إنَّ فكرة التَّكافؤ في النكاح هي مما سُطِّر في قصة سليمان -عليه السلام- مع بلقيس فامرأةٌ بملكها لن يكون أيُّ رجلٍ هو كفؤٌ للزواج منها -وقد بيَّنت بعض الروايات زواج بلقيس من سليمان- فكانت دعوته لها مفتاحًا لقلبها.
  • إنَّ مظاهر القوة والحقِّ تُؤثر في النفوس والقلوب تأثيرًا بالغًا وهو ما حدث مع بلقيس عند رؤيتها قوة سليمان وعرشه وسلطانه، فتأثرت في ذلك أيّما تأثر واستسلمت لعاطفتها التي انقادت لسليمان وملكه، فخضعت له وآمنت بدعوته وآمنت بالله العظيم، فلا شكَّ أن ما رأته لا يستطيعه بشرٌ بل هو إعجازٌ من ربٍّ عظيم، وفي ذلك بيان لأهم ثمرات قوله تعالى {فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها}، والله أعلم.

اقرأ أيضا: فوائد من سورة النمل

المصادر:
مصدر 1
مصدر 2
مصدر 3

مقالات ذات صلة