معنى آية ولو اتبع الحق أهواءهم
ورد في سورة المؤمنون آية يقول فيها تعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ}، ويتساءل الكثيرون عن معنى آية ولو اتبع الحق أهواءهم حيث تُعتبر إحدى الآيات التي يتمثل مغزاها في زيادة الإيمان ورسوخ الاعتقاد بتفرّد الله -تعالى- بالخلق وتدبير شؤون الكون.
معنى آية ولو اتبع الحق أهواءهم
إنّ معنى آية ولو اتبع الحق أهواءهم أي ولو شرع الله لهم ما يوافق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومَن فيهن، بل أتيناهم بما فيه عزهم وشرفهم، وهو القرآن، فهم عنه معرضون.
قال أهل التأويل في تفسير الآية إنّ المقصود بالحقّ هو الله -سبحانه- نفسه، والتّقدير: لو اتّبع صاحب الحق أهواءهم، وقال بعضهم إنّما ذلك من المجاز والتقدير لو وافق الحقّ أهواءهم، فقيل إنّه لو كانوا يكفرون بالله ورسله ثمّ لا يُعاقبون على ذلك ولا ينالون الجزاء المناسب لجهلٍ ما أو عجزٍ لكان في ذلك الفساد في الأرض والسماوات.
وقيل بل المعنى لو كان الحقّ هو قولهم إنّه ثمّ آلهة مع الله تعالى -حاشاه- لاختلف مُراد الآلهة وتنافت فيُريد بعضهم ما لا يريده غيرهم، وبذلك سيسود الفساد والفوضى والاضطراب في السماوات والأرض.
كما قيل أنّ المعنى لو كان الحقّ موافقًا لأهوائهم لحدث في نظام العالم فسادٌ وفوضى كبيران؛ إذ إن ديدن أهواء الناس ورغباتهم وشهواتهم الاختلاف والتضادّ، وديدن الحقّ أن يكون متبوعًا ينقاد إليه الآخرون، وديدن الناس أن يكونوا منقادين للحقّ.
وقال بعض المفسّرين أيضًا إنّ الحقّ هنا يُقصد به القرآن الكريم؛ بمعنى لو كان القرآن الكريم قد نزل بما يشتهون ويناسب أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهنّ من الإنس والجنّ والملائكة، وألحق بعض المفسّرين الحيوانات والجمادات بما سبق ذِكرُه.
بينما قال بعض أهل التأويل إنّ من المقصود بذلك هو اختلاف الناس في تدبير الأمور، وقد مرّ في القرآن الكريم أوصاف للنّاس في تلك المواقف، منها ما قاله تعالى في سورة الزخرف: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}.
وكذلك ما قاله تعالى في سورة الإسراء: {قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ قَتُورًا}، وأيضًا قال تعالى في سورة النساء: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَّا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا}.
وأمّا قوله تعالى: {بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ}، فقال بعض أهل التأويل إنّ هذا القول شبيه بقوله تعالى في سورة الزخرف: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ}، فإنّ الله -تعالى- قد أنزل القرآن العظيم فيه بيان للخلق حول ما هم بحاجة إليه، وفيه كذلك ذكر لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وذكر لقومه، وهذا شرفٌ عظيمٌ لهم، ولكنّ قومه كفروا به.
وقال ابن عاشور إنّ التنبيه على إعراضهم ومجيء ذكره بالجملة الاسميّة هو دليل على تمكّن الإعراض منهم، وثباته في نفوسهم، والله أعلم.
اقرأ أيضا: معنى آية أمن يجيب المضطر إذا دعاه
إعراب آية ولو اتبع الحق أهواءهم
في الإعراب بيان عن معنى ما يزال غامضًا في نفوس القارئين، وفيما يأتي إعراب آية ولو اتبع الحق أهواءهم:
- ولو: الواو استئنافية، ولو حرف شرط غير جازم.
- اتّبعَ: فعلٌ ماضٍ مبني على الفتح الظاهر على آخره.
- الحقُّ: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.
- أهواءَهم: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، والهاء ضمير متّصل مبني في محل جر بالإضافة، والميم للجمع.
- لفسدَتْ: اللام واقعة في جواب لو، وفسدَت فعل ماضٍ مبني على الفتح الظاهر على آخره، والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها من الإعراب.
- السماواتُ: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.
- والأرضٌ: الواو عاطفة، والأرضُ اسم معطوف على السماوات فهو مرفوع مثله وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.
- ومَن: الواو عاطفة، ومن اسم موصول مبني في محل رفع معطوف على السماوات.
- فيهن: في حرف جر، والهاء ضمير متصل مبني في محل جر بحرف الجر، والنون لجمع الإناث، والجار والمجرور متعلّقان بصلة الموصول المحذوفة.
- بل: حرف إضراب.
- أتيناهم: فعلٌ ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بنا الدالة على الفاعلين، ونا ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل، والهاء ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به، والميم للجمع.
- بذكرِهم: الباء حرف جر، وذكرهم اسم مجرور وعلامة جرّه الكسرة الظاهرة، والهاء ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة، والميم للجمع، والجار والمجرور متعلقان بالفعل أتيناهم.
- فهم: الفاء حرف عطف، وهم ضمير رفع منفصل مبني في محل رفع مبتدأ.
- عن ذكرهم: عن حرف جر، وذكرهم اسم مجرور وعلامة جرّه الكسرة الظاهرة، والهاء ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة، والميم للجمع، والجار والمجرور متعلقان بالخبر “معرضون”.
- معرضون: خبر مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنّه جمع مذكر سالم، والنون عوضًا عن التنوين في الاسم المفرد.
اقرأ أيضا: معنى آية واصبر وما صبرك إلا بالله