معنى آية إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح

إنّ قراءة سورة الأنفال لمرّة واحدة يُوضّح بشكل جلي مدى اهتمام هذه السورة الكريمة بشأن الحرب والفتوحات، ومن الآيات التي تحدّثت بهذا المجال، قوله تعالى: {إِن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ ۖ وَإِن تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَإِن تَعُودُوا نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ}، ويبحث الكثير من المسليمن عن معنى آية إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وما تتضمنه من فوائد وهدايات.

معنى آية إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح

معنى آية إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح

إنّ معنى آية تستفتحوا فقد جاءكم الفتح أنّ الله تعالى يُخاطب المشركين الذين حاربوا رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في معركة بدر، ويخبرهم بأنّهم إن استحكموا الله على أقطع الحزبين للرحم وأظلم الفئتين واستنصروه عليه، فسوف يأتيهم حكم الله ونصره للمظلوم على الظالم وصاحب الحق على الباغي.

وقد فسّر غير واحد من السلف هذه الآية الكريمة، حيث نقل الطبري عن الضحّاك بأنّ المعنى أنكم إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنّ الخطاب موجّه للمشركين بأنهم إن يستنصروا فسوف يأتيهم المدد، وعن مجاهد بأنّ المخاطبون هم كفار قريش الذين قالوا: “ربنا افتح بيننا وبين محمد وأصحابه”، ففُتح بينهم يوم بدر.

نُقل عن الزهري أيضًا أنّ أبا جهل هو من استفتح فقال: “اللهم أيّنا كان أفجر لك، اللهم وأقطع للرحم، فأحنه اليوم”، ويُريد من دعائه هذا أن يطلب من الله إحناء الفريق القاطع للرحم ويقصد رسول الله ونفسه، فأنزل الله تعالى: إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح، فقُتل يوم بدر على يد شابين صغيرين يُدعيان معوّذ وعوف وأجهز عليه عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم جميعًا.

وعن السُّدي أنّه حينما خرج المشركون من مكة للقاء رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أمسكوا بأستار الكعبة واستنصروا الله وقالوا: “اللهم انصر أعزّ الجندين، وأكرم الفئتين، وخير القبيلتين”، فقال الله تعالى: إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح، والمعنى نصرت ما قلتم وهو الرسول محمد عليه الصلاة والسلام.

وعن الضحّاك أنّه لمّا خرج المشركون يطلبون عيرهم وأهل العير هم أبو سفيان وأصحابه، فأرسلوا إلى المشركين بمكة يستنصرونهم، فقال أبو جهل: “أيّنا كان خيرًا عندك فانصره”، فمعنى إن تستفتحوا، أي: إن تستنصروا، وعن ابن زيد بأنّ المعنى إن تستفتحوا العذاب، فعذبّوا يوم بدر، وقد كان استفتاحهم في مكة حينما طلبوا إنزال الحجارة من السماء وأن يأتيهم العذاب ليصدّقوا بما يأتيهم به رسول الله، فكان العذاب يوم بدر.

كما نُقل أنّ أبا جهل قد قال: “اللهم انصر أحبّ الدينين إليك، ديننا العتيق، أم دينهم الحديث”، فنزلت الآيات وقد قال قتادة أنّ بدر كانت قضاء وعبرة لمن اعتبر، وقيل أنّ الاستفتاح هو الإنصاف في الدعاء.

وقال القرطبي أنّ قوله تعالى: إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح، هو شرط وجوابه، وفيه ثلاثة أقوال:

  • القول الأول وهو أنّ هذا الخطاب هو للكفار الذين استفتحوا فقالوا: “اللهم أقطعنا للرحم وأظلمنا لصاحبه فانصره عليه”، وقد كان هذا القول عندما خرجوا ليستردوا عيرهم من المسلمين، وقيل بأنّ الذي استفتح هو أبو جهل في وقت القتال، وقيل هو قول النضر بن الحارث: “اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم”، وكان ممّن قُتلوا في معركة بدر.
  • أمّا القول الثاني فهو أنّ الخطاب موجّه في هذه الآية للمؤمنين، أي أنّكم إذا استنصرتم فسوف يأتيكم النصر، وإن تنتهوا عن مثل ما فعلتموه من أخذ الغنائم والأسرى قبل الإذن، فسيكون خيرٌ لكم، أمّا إذا عُدتم إلى مثل ذلك فسيتم توبيخكم مرة أخرى، كقوله تعالى في نفس السورة: {لَّوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
  • والقول الثالث أنّ قوله تعالى: إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح، موجّه للمؤمنين، أمّا ما بعده فهو خطاب للكافرين، والمعنى: أنّكم إذا عدتم للقتال فسنعود نحن أيضًا، وسيحصل كما حصل في غزوة بدر، وقد قال بعض أهل العلم أنّ الصحيح هو القول الأول وبأنّ الكفار قد أخذوا معهم أستار الكعبة يستفتحون بها ويستنصرون على المسلمين.

اقرأ أيضا: معنى آية وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها

فوائد من آية إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح

فوائد من آية إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح

  • جاءت الآيات القرآنية بأسلوب سخرية من الكفار الذين ظنّوا أنّ الله سينصرهم على النبي محمد معتقدين بأنّ دينهم هو دين حق، وأنّهم سائرون على النهج الذي يُرضي الله وأنّهم أكثر برًّا وصلةً للرحم من رسول الله، وهذا حال كل من لا يدرك حجم نفسه وموضعه ويطلب ما ليس له بحق على الرغم من وضوح قلّة شأنه وتدنّي مستواه فيُعرّض نفسه للسخرية والتهكم.
  • أراد الله تعالى في هذه الآية أن يُبيّن لكفار مكة ولكل كافر وطاغية أراد بالإسلام شرًّا وحاك المؤامرات ودبّر المخططات للإيقاع بالمسلمين وإيذائهم بأنّ عمله سينقلب عليه وسينصر الله المسلمين بإيمانهم وتمسّكهم بدينهم وصدق توجّههم ولجوئهم إلى الله تعالى في كلّ زمانٍ ومكان، وهذا ما أفاده الإتيان بالفعل بصيغة المضارع فمن فوائد هذا الفعل البلاغية الاستمرارية والدوام.

اقرأ أيضا: معنى آية قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا

المصادر:
مصدر 1
مصدر 2
مصدر 3

مقالات ذات صلة