معنى آية فلنولينك قبلة ترضاها
يكثر البحث عن معنى آية فلنولينك قبلة ترضاها وسبب نزولها وما يُستفاد منها من ثمرات حيث يقول الله تعالى في سورة البقرة: {قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۗ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ}.
معنى آية فلنولينك قبلة ترضاها
إنّ معنى آية فلنولينك قبلة ترضاها أي قد نرى تحوُّل وجهك -أيها الرسول- في جهة السماء، مرة بعد مرة؛ انتظارًا لنزول الوحي إليك في شأن القبلة، فلنصرفنك عن “بيت المقدس” إلى قبلة تحبها وترضاها، وهي وجهة المسجد الحرام بـ “مكة”، فولِّ وجهك إليها. وفي أي مكان كنتم -أيها المسلمون- وأردتم الصلاة فتوجهوا نحو المسجد الحرام. وإن الذين أعطاهم الله علم الكتاب من اليهود والنصارى لَيعلمون أن تحويلك إلى الكعبة هو الحق الثابت في كتبهم. وما الله بغافل عما يعمل هؤلاء المعترضون المشككون، وسيجازيهم على ذلك.
يحكي أهل التفسير أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- لمّا هاجر إلى المدينة المنوّرة بقي زهاء ستة عشر أو سبعة عشر شهرًا يصلّى وأصحابه قِبَل بيت المقدس، وحينما كان بمكّة كان يصلّي نحو الكعبة الشريفة، وبيت المقدس كان قبلة اليهود في صلاتهم كذلك، فصار اليهود يقولون إنّ محمّدًا -صلّى الله عليه وسلّم- يخالفنا ويستقبل قبلتنا، فثُقَل هذا الكلام على النبي صلّى الله عليه وسلّم.
وقيل أُمِرَ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- حين هاجر إلى المدينة أن يصلّي تلقاء بيت المقدس ربّما من أجل أن يؤمن اليهود الذين كان عندهم في التوراة أوصاف النبي -صلّى الله عليه وسلّم- فيكون الإيمان بالنبي -صلّى الله عليه وسلّم- حينها أقرب إليهم وهم والمسلمون يصلّون تجاه قبلة واحدة.
وقيل إنّ النبي لما رأى اليهود يصلّون تجاه بيت المقدس تمنّى لو يصلّي هو والمسلمون تجاه بيت المقدس، فقال اليهود إنّ محمّدًا -صلّى الله عليه وسلّم- لم يدرِ أين قبلته حتّى دللناه، فكره ذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- وصار يرجو الله أن يجعل القبلة إلى المسجد الحرام، حتى نزلت آية تحويل القبلة.
قال تعالى: {قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ}، وقال المفسّرون إنّ المُراد هو تقليب البصر، ولكنّ الله -تعالى- ذكر الوجه لزيادة الاهتمام، والمقصود بالتقليب هو التحوّل والتّصرّف، فكان يرفع بصره إلى السماء وكأنّه ينتظر الأمر بتحويل القبلة، ثمّ يقول تعالى: {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا}، بمعنى سوف نُوجهك إلى قبلة تحبّها وتهواها وترتضيها، فكان الأمر {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}، يعني نحو جهة المسجد الحرام.
واختلف المفسّرون حول ما إذا كان المقصود نحو الكعبة ذاتها أم نحو المسجد الذي يضمّ الكعبة في أثنائه، وقال الإمام الطبري: “والصواب من القول في ذلك عندي ما قال الله جل ثناؤه: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}، فالمولِّي وجهه شطرَ المسجد الحرام، هو المصيبُ القبلةَ”.
يقول تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}، وهذا الخطاب للمؤمنين عامّة من كان منهم في الشرق أو الغرب أو الشمال أو الجنوب، من كان في البر أو البحر، فإنّهم عند الصلاة مأمورون أن يتوجّهوا تلقاء المسجد الحرام.
ثمّ يقول تعالى: {وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۗ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ}، فإنّ اليهود لمّا توجّه المسلمون نحو المسجد الحرام ساءهم ذلك، ولكنّهم يعلمون أنّ ذلك كان بأمر من الله تعالى، ولكنّهم كانوا يعاندون ويحبّون أن يجادلوا بغير علم، فجاءهم الجواب أنّهم يعلمون أنّ أمر تحويل القبلة هو بأمر من الله -تعالى- وليس اجتهادًا من النبي صلّى الله عليه وسلّم.
ويرى الإمام القرطبي أنّ ذلك لم يكن مكتوبًا في كتاب اليهود الذي حرّفوه بأيديهم، ولكنّهم قد علموا بطريقتين:
- الأولى أنّهم يعلمون أنّ محمّدًا -صلّى الله عليه وسلّم- نبي مُرسل، ولذلك فهم يعلمون أنّ ما يفعله هو محض أوامر إلهية.
- والطريقة الأخرى أنّ نسخ الأحكام في الشرائع هو أمر معروف عندهم، ولذلك لا يجب أن يستغربوا أمر نسخ القبلة بقبلة جديدة، فهم بذلك يعلمون أنّ تحويل القبلة هو حق، ولذلك ختم الله -تعالى- الآية يقوله: {وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} على سبيل الوعيد، والله أعلم.
اقرأ أيضا: معنى آية واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه
فوائد من آية فلنولينك قبلة ترضاها
إنّ لقراءة القرآن بتدبّر ثمرات كثيرة لا حصر لها يجنيها المؤمن، فمنها تعمّق جذور الإيمان في قلب المؤمن؛ فإنّ المؤمن إذا رأى أنّه لا آية تعارض الأخرى، ورأى ذلك النظم الفريد للكلمات على نحو لا يمكن استبال لفظة مكان أختها فإنّه يزداد إيمانًا ويقينًا أنّه من عند الله تعالى، وتعظم الفوائد التي يمكن استجلائها من آية فلنولينك قبلة ترضاها، وأبرز هذه الفوائد ما يأتي:
- إظهار الله -تعالى- محبّته للنبي -عليه الصلاة والسلام- حين ولّاه قبلة يحبّها ويرجوها وهي الكعبة المشرّفة قبلة أبيه إبراهيم عليه السلام.
- ظهور كمال أدب النبي -عليه الصلاة والسلام- حين ترك التصريح بما يعتلج صدره من حنين للبيت الحرام، فاكتفى برفع بصره من دون أن يطلب ما يريد، وهذا غاية الأدب وكماله.
- العلم بأنّ وعيد القادر فيه تحقيق لعقاب المجرم، والعلم كذلك بأنّ هذا الوعيد للكافرين هو وعدُ خيرٍ للمؤمنين بأنّهم سيُجزون أحسن الجزاء بامتثالهم الأوامر الإلهيّة، والله أعلم.
اقرأ أيضا: أحاديث عن شهر شعبان