معنى آية لا تجأروا اليوم

سورة المؤمنون من السور المكيّة باتّفاق أهل العلم، وترتيبها من حيث النزول السادس والسبعون، وقد وردت في هذه السورة آية كريمة يقول فيها تعالى: {لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ ۖ إِنَّكُم مِّنَّا لَا تُنصَرُونَ}، ويكثر البحث بين المسلمين عن معنى آية لا تجأروا اليوم وفقًا لتفسيرات العلماء، وما يُستفاد من هذه الآية الكريمة.

معنى آية لا تجأروا اليوم

معنى آية لا تجأروا اليوم

يقول الله تعالى في سورة المؤمنون: {لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ ۖ إِنَّكُم مِّنَّا لَا تُنصَرُونَ}، وهذه الآية تكملة لما جاء قبلها من حديث على الكافرين، فيقول تعالى فيما سبق هذه الآية من آيات: {بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَٰذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذَٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ * حَتَّىٰ إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ}.

تتحدّث هذه الآيات على المشركين والكفّار من أهل مكّة كون هذه السورة قد نزلت في مكّة قبل الهجرة النبويّة كما مرّ آنفًا، فيقول تعالى معرّضًا بالكافرين إنّ قلوبهم في غمرة من القرآن الكريم على أرجح الأقوال، والغمرة هي الغفلة والتعمية والغطاء الذي يكسو القلب فيحول بينه وبين إدراكه الحق، فهؤلاء غير أنّهم قد سقطوا في الغفلة فهم أيضًا لا بدّ أن يعملوا أعمالًا أخرى كفريّة قد سبق القول عليهم أنّهم عاملوها لا محالة، فالكتاب قد كتبهم مع أهل الشقاء والعياذ بالله.

وقد روي عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنّه قال: “فوالذي لا إلَه غيرُه إنَّ أحدَكم ليعملُ عملَ أهلِ الجنةِ حتى ما يكونُ بينه وبينها إلّا ذراعٌ، فيسبقُ عليه الكتابُ فيعملُ بعملِ أهلِ النارِ”، وقيل المقصود إنّ الكافرين يعملون أعمالًا غير أعمال المؤمنين وهذه الأعمال ستوردهم النار، والمعنيان متقاربان والله أعلم.

ثمّ تحكي الآية الثانية شعور كبار المشركين وهم في العذاب، فيقول تعالى: {حَتَّىٰ إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ}، فالمترفين هم سادة القوم ومنعّميهم الذين لم يعانوا العذاب يومًا، فإذا مسّهم العذاب استصرخوا واستغاثوا، وذلك قريب من قوله تعالى في سورة المزمل عن عذاب أولي النعمة وهم المترفين من كلّ قوم: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا * إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا}.

وقال أهل التفسير إنّ العذاب هنا هو عذاب الآخرة في النار، وهو قول أكثر المفسّرين، وقال بعضهم العذاب هنا هو عذاب المشركين بسيوف المسلمين يوم بدر، وهذا القول نقله بعض السلف عن ابن عبّاس رضي الله عنهما، وقيل هو الجوع الذي دعا به رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على بعض أحياء العرب.

قد ثبت في صحيح البخاري أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قد دعا على بعض أحياء العرب -وهم مُضَر- فقال: “اللَّهُمَّ اشْدُدْ وطْأَتَكَ علَى مُضَرَ واجْعَلْهَا عليهم سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ” (( الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم: 804 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] )) فابتلاهم الله -تعالى- بالقحط والجوع حتى أكلوا الجيف والكلاب، وقيل إنّ الجؤار هنا هو رفع الصوت كما يرفع الثور صوته عندما يصيح، والله أعلم.

أمّا معنى آية لا تجأروا اليوم إِنَّكُم منّا لا تُنصَرُونَ يُقال: جأر الرجل يجأر جأرًا وجؤارًا إذا رفع صوته بتضرّع واستغاثة، وقيل هو رفع الصوت في الدعاء، والمُراد هنا في هذه الآية أي لا تصرخوا ولا تستغيثوا فإنّه لا ناصر لكم من دون الله تعالى.

وقال ابن عاشور -رضي الله عنه- إنّ تخصيص الكبراء والمترفين بالعذاب مع أنّه عامّ لجميع الكفرة هو أنّ المترفين هم سبب إضلال العامّة؛ لولا نفوذهم وسلطتهم عليهم لاتّبعت العامّة طريق الحق، فالعامة إذا تبيّن لها الحقّ اتّبعته، وذلك لسلامة العامّة من أهواء الكبراء والمترفين كالتكبّر والخوف من زوال نعيم السيادة وغير ذلك.

والكبراء والمترفين هم أشد الناس شعورًا بالعذاب بسبب حياة الرفاهية التي كانوا يحيونها، ولأنّهم لم يعتادوا الآلام ونحوها من الأمور التي كان يشعر بها دهماء القوم وسوادهم، طبعًا مع الفارق الكبير بين العذاب والآلام الدنيويّة وبين عذاب الآخرة وآلامه، ومع ذلك فالعذاب يشمل الجميع ولكن قد خُصّص المترفين بالذكر لما سبق تبيينه، والله أعلم.

اقرأ أيضا: معنى آية وأبصر فسوف يبصرون

فوائد من آية لا تجأروا اليوم

فوائد من آية لا تجأروا

بعد بيان معنى آية لا تجأروا اليوم بالاستناد إلى أقوال أهل التفسير والتأويل لا بدَّ من النظر إلى الآية بعين الباحث عن الفوائد والعبر، وسيكون ذلك فيما يأتي:

  • إنَّ من يُعاني من أهوال يوم القيامة وعذاب الدَّار الآخرة يبحث عن نصيرٍ له ويستصرخ من يُنقذه من عذاب الله تعالى، ولكن لا مجيب إلا الله في ذلك اليوم.
  • إنَّ الله تعالى لا ينصر في الآخرة إلا من قد نصره في الدنيا من الأنبياء والرسل والعباد الصالحين، ونصر الله في الدنيا يكون باتباع أوامره والانتهاء عن نواهيه.
  • دائمًا ما يبحث الإنسان عن نجاته في الظروف الحالكة ويستغيث بالله ويستنصره، وذلك شأن الكافرين الذين كذبوا رسول الله في دار الدنيا.

اقرأ أيضا: معنى آية واعبد ربك حتى يأتيك اليقين

المصادر:
مصدر 1
مصدر 2
مصدر 3

مقالات ذات صلة