معنى آية فيسحتكم بعذاب

وردت آية فيسحتكم بعذاب في قوله تعالى في سورة طه: {قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَىٰ* فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَانًا سُوًى* قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى* فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَىٰ* قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَىٰ}، ويتساءل الكثيرون عن معنى آية فيسحتكم بعذاب وما تُرشد إليه من هدايات قرآنية.

معنى آية فيسحتكم بعذاب

معنى آية فيسحتكم بعذاب

اشتملت سورة طه على قصة موسى وفرعون عندما دعا فرعون السحرة ليقوموا بالتغلب على موسى عليه السلام، وتُشير  آية فيسحتكم بعذاب إلى أنَّ نبيَّ الله موسى -عليه السلام- قال للسحرة الذين أتى بهم فرعون: لا تختلقوا الكذب على الله تعالى، ولا تتقوَّلوا الكذب عليه فيصيبكم هلاكٌ بذلك، ويبيدكم ويستأصلكم بهلاكٍ وعذاب شديد.

وقد وردَ عن عن ابن عبَّاس -رضي الله عنه- قوله في هذه الآية: أي يهلككم، وأمَّا قتادة فقال في معنى آية فيسحتكم بعذاب أي يستأصلكم بعذاب فيهلككم.

وأشار السعدي في تفسير هذه الآية الكريمة إلى أنَّه عندما اجتمع موسى -عليه السلام- مع السحرة الذين توافدوا من جميع البلدان بدعوة من فرعون عدو الله، وعظهم موسى وتوجَّه إليهم بدعوة صادقة إلى الإيمان بالله والتصديق بالحق الذي جاء من عنده، مقيمًا عليهم الحجة البالغة، وفي النهاية حذَّرهم من عاقبة تكذيب رسل الله تعالى والافتراء على الله وتكذيب معجزاته، فقال لهم: {وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ}.

وعلى ذلك يكون معنى الآية أيّ لا تكونوا إلى جانب الباطل وتنصروا فرعون بما أعطاكم الله من براعة في السحر، وإياكم أن تفتروا على الله كذبًا وإلا سوف يستأصلكم بعذابٍ من لدنه وسوف يخيب افتراؤكم وسعيكم، وفي تلك اللحظة لن ينفعكم شيء لا الجاه ولا النصر عند فرعون ولن تسلموا من عذاب الله تعالى بعد افترائكم وتكذيبكم.

ويقال أنَّ عدد السحرة كان بنحو 72 ساحرًا وكل واحدٍ منهم يحمل حبلًا وعصا وقيل كانوا أربعمئة ساحرًا، وقد انتهت تلك المحاورة والموعظة بإيمان السحرة واعترافهم بالله وبالحق الذي جاء به موسى عليه السلام.

وكذلك وردَ في تفسير ابن كثير أنَّ تلك الآية تشير إلى السحرة في خطاب موسى لهم ومعناها: لا توهموا الناس بسحركم حتى يروا أشياء لا حقيقة لوجودها، وتوهموا الناس أنَّها أشياء مخلوقة، فتكونوا قد كذبتم على الله تعالى وعند ذلك سوف يهلككم بعذاب وعقوبة هلاكًا لا بقيَّة لكم من بعده، والله تعالى أعلم.

اقرأ أيضا: معنى آية ما سلككم في سقر

معاني المفردات في آية فيسحتكم بعذاب

فيسحتكم بعذاب

لا بدَّ من المرور على معاني مفردات الآية وكلماتها، فكل كلمة تحمل معانٍ كثيرة يجدر بالذكر العروج عليها، وفيما يأتي سيتمُّ إدراج معاني المفردات في آية: فيسحتكم بعذاب:

فيسحتكم: اختلف العلماء في أصل كلمة يسحتكم لأنَّ العرب لهم فيها لغتان، فبعضهم أرجعها إلى كلمة سحتَ وبعضهم أرجعها إلى كلمة أسحت، وسحت أكثر استخدامًا من أسحت، وكلاهما بنفس المعنى.

فإما أن تكون الكلمة من سحتَ يسحَت سَحتًا، والفاعل منه ساحت، والمفعول مسحوت، فمعنى سحتَ الشيء: أهلكه واستأصله، وسحتَ رأسه: استأصله حلقًا، ومعنى سحَت البركة: أذهبها.

وأمَّا إذا كانت أصلها من كلمة أسحت يسحت إسحاتًا، يكون الفاعل مسحِت والمفعول مسحَت، ويكون معنى الكلمة قريبًا من المعنى السابق، فأسحتَ الشيءَ: استأصله وأهلكه، وعام أسحتٌ ليس فيه مرعى، وعلى ذلك يكون معنى فيسحتكم: يهلككم ويستأصلكم.

بعذاب: العذاب في اللغة النكال والعقاب، وهو الألم الشديد أو كلُّ ما يشقُّ على النفوس ويؤلمها ويتعبُها تعبًا شديدًا، والعذابان عذاب حهنَّم وعذاب القبر، وجاء في قوله تعالى: {وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا}، وهو المشقة الشديدة والألم المُضني، ويأتي أيضًا بمعنى الهلاك، ومن هنا جاءت في قوله تعالى: {فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ}، أي بهلاك.

اقرأ أيضا: معنى آية لا أبرح حتى أبلغ

فوائد من آية فيسحتكم بعذاب

  • إنَّ أفضل طريق يسلكه الداعية في الدعوة إلى الله تعالى هو الجدال والحوار والموعظة الحسنة، وفي قصة موسى -عليه السلام- دليل على ذلك، فحواره مع السحرة أدَّى في النهاية إلى إيمانهم وتصديقهم بما جاءهم به من الحق، ويقول تعالى في كتابه العزيز: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}.
  • من الثمرات المستفادة من قصة موسى مع سحرة فرعون أيضًا أنَّ على الداعية إلى الله أن يصبر في طريق الدعوة الذي تحيطُ به صعوبات ومشقات كثيرة، ويجب أن لا تضعف عزيمته معتمدًا على الله لأنَّ الله سينصره لا محالة.
  • الثقة المطلقة بالله تعالى، فقد كانت ثقةُ موسى بالله أنَّه أخبرهم عمَّا سيحلُّ بهم إن كذبوا، وكأنَّ ذلك واقعٌ لا محالة.
  • إنَّ الكذب على الله تعالى والافتراء عليه من الذنوب العظيمة التي تؤدي إلى هلاك صاحبها، وقد توعد الله صاحبها بهلاك مبينٍ يستأصله وكأنَّه لم يكن له وجود.
  • الحقُّ دائمًا هو الطرف المنتصر في النهاية والباطل هو الطرف الخاسر، حتَّى وإن ظهر أحيانًا أنَّ الباطل انتصرَ مرةً أو مرتين، فإنَّ الحقَّ يعلو ولا يُعلى عليه.

اقرأ أيضا: معنى آية فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى

المصادر:
مصدر 1
مصدر 2
مصدر 3

مقالات ذات صلة