معنى آية فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون
يهتم الكثيرون بالبحث عن معنى آية فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون الواردة في سورة الصافات حيث تُعالج هذه السورة الكريمة ما تُعالجه جميع السور المكية من تثبيت المفاهيم الصحيحة في نفوس المؤمنين والتي تُعنى بالحديث عن الآخرة والبعث والنشور والتوحيد واليوم الآخر.
معنى آية فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون
إنَّ القلوب التي اعتادت الضلال وتوغلت فيهم لن تصل إليها الهدى أو النور، والنفس التي جُبلت على الشرك والكفر سيتوغل فيها الفساد أكثر فأكثر، وابن آدم الذي لم يعمل عقله في الأدلة والبراهين التي يصل من خلالها إلى الحقيقة الواحدة أنَّ الله واحدٌ لا شريك له ستعتاد الجرأة في الكذب والتكذيب.
وكان ذلك حال مشركي قريش عندما أنزل الله تعالى خطابًا لنبيه الكريم موجًا إليهم في قوله: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ}، وذلك من أكبر الكبائر التي افترت فيها قريش على ربها، فهم يدعون كذبًا أنَّ لربهم العظيم ولدًا واختاروا له -حاشاه سبحانه- الإناث دونًا عن الذكور؛ لأنَّهم يستأثرون بالولدان الذكور لأنفسهم.
وبذلك ينفي هؤلاء المجرمون أمرًا من أصول العقيدة الصحيحة وهو أنَّ الله واحدٌ فردٌ صمدٌ لم يلد ولم يولد وليس له كفوًا أحد، فهو مالك كلّ شيءٍ وحده دون شريك أو منافس.
ومعنى آية فاستفتهم ألربك بالبنات ولهم البنون أي سلهم يا محمد واسأل مشركي قومك -من قريش- ألله الإناث ولكم الذكور، وقال قتادة إنَّ المُراد بقوله فاستفتهم أي إنَّها عائدة على مشركي قريش، والاستفتاء هو السؤال والاستفسار، فقد زعم المشركون من قريش أنَّ الملائكة هم من الإناث وأنَّهم بنات الله والعياذ بالله.
قال السعدي إنَّهم كانوا يعبدون الملائكة دونًا عن ربهم وزعموا أنَّهم من الإناث، فكانت قسمةٌ ضيزى فهم استأثروا لأنفسهم بالذكور دونًا عن ربهم الذي قسموا له الإناث، فاستنكر الله عليهم ذلك إذ السؤال استنكاري وليس استفهامي، وعلاوةً على ذلك فكيف لهم أن يفتروا كذبًا بأنَّهم جعلوا الملائكة إناثًا وهم لم يشاهدوهم ولم يكونوا وقت خلقهم، ولكنَّ الإفك والكذب هو دأبهم الذي لا ينفكون عنه.
ارتكب هؤلاء المشركون الكبائر بأنَّهم جعلوا صفات الله -تعالى- كصفات البشر من النكاح والأولاد فزعموا أنَّ ربهم اتخذ صاحبةً فكان أولاده الملائكة وهم إناث، وذلك أعظم الكذب وأعظم البهتان والافتراء.
وكان سؤال الله للمشركين سؤال توبيخٍ وتأنيب وليس سؤال من ينتظر الجواب، فكانت جرأة المشركين على ربهم بأن قسموا له ما لا يقبلونه لأنفسهم واختاروا له أضعف الجنسين وخاضوا بالزور من القول فكيف لهم أن يقوموا على تلك القسمة غير العادلة التي اختاروها لربهم حاشاه وكلا بل هو أعظم وأجل.
بل وخاض المشركون في الكفر أيضًا وجعلوا لله جسدًا كأجسادهم وتسير عليه الصفات البشرية من الزواج والأولاد كما تسير عليهم، بل وتجرؤوا على أعظم مخلوقات الله وأقربهم إليه وهم الملائكة فجعلوا إناثًا واستخفوا به.
ولم تتفرد قريش وحدها بالكفر والطغيان بل شأنهم شأن الأمم السابقة الذين اختاروا الكفر والضلال، فضرب الله الأمثال لنبيه -عليه الصلاة والسلام- تسليةً له ليُريه أنَّ التجبر على أنبياء الله وأوامره -سبحانه- لم تختص به قريشٌ وحدها، بل كثيرٌ من الأمم اختارت ذلك الطريق والمصير.
اقرأ أيضا: معنى آية وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم
فوائد من آية فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون
- الإيمان بالملائكة هو ركنُ من أركان الإسلام، ولا يكتمل الإيمان بالملائكة إلا من خلال الإيمان بوجودهم والإيمان بأفعالهم وصفاتهم، وقد وردت العديد من الآيات التي تُثبت وجود الملائكة وتحض على الإيمان بهم من ذلك قوله تعالى في سورة فاطر: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، وخاصةً أن سورة الصافات ابتدأها الله بقسمه بالملائكة.
- الاستهزاء بدعوة الأنبياء والمرسلين هو شأن الكثير من الأمم السابقة الذين عمى الضلال على قلبهم ونفسهم، ففي البداية يُعرضون عن سماع دعوة الأنبياء ومن ثم يتهمونهم بالأباطيل والجنون ،ومن ثم تجرأت قريش على تلفيق الأكاذيب حتى على ربهم إذ يتهموه بالصفات البشرية التي يعلو عليها رب العباد.
- انفراد الله تعالى في صفاته، فليس كمثله شيء فهو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي تعالى عن الولد، وكثيرةٌ هي الأدلة على ذلك من كتابه الكريم فقال سبحانه في سورة الأنعام: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، فالله أعلى مما يصفون.
- عظمة الملائكة يُبيِّنها الله -تعالى- في سورة الصافات؛ إذ يبتدؤها بقسمٍ بهم، وبيَّن الله -سبحانه- من ذلك القسم أنَّ الملائكةً واحدةٌ من مخلوقاته وعبيده وليس من أولاده كما ادَّعى كفار قريش، إذ ليس له صاحبةٌ ولا ولد وهو الجليل عن تلك الصفات.
- خلق الله للملائكة كان قبل خلق آدم عليه السلام، وخلقهم الله من النور كما أخبر في كتابه العزيز، وخلق آدم من الطين، وقد منحهم -جلَّ في علاه- العديد من القدرات منها التشكل في صور البشر والحديث معهم، إذًا هم مخلوقات الله مثل العديد من المخلوقات الأخرى، وليسو أبناءه كما ادعى أهل الكفر والضلال.