معنى آية إن يمسسكم قرح
قال الله عزَّ وجلَّ في سورة آل عمران: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}، ونزلت هذه الآية تسليةً ومواساةً للمسلمين بسبب ما أصابهم يوم أحد من جراحٍ وألم، ويتساءل الكثير من المسلمين عن معنى آية إن يمسسكم قرح وما تُرشد إليه من فوائد وهدايات قرآنية شديدة العظمة.
معنى آية إن يمسسكم قرح
إنّ معنى آية إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرحٌ مثله أي أنَّ ما أصابكم من جراحٍ وقتلٍ يوم أحد قد أصاب المشركين مثله يوم بدر، وهكذا هي الحياة الدنيا عبارة عن أيام يتمُّ تصريفها بين النَّاس فيُنصرون تارةً ويُهزمون تارةً أخرى، وكلُّ ذلك لحكمٍ إلهية، حيث بها يُختبر الصادق في إيمانه من غيره، فلو كان النَّصر حليف المسلمين في كلِّ مرة لدخل في الإسلام من لا يريده.
أمَّا في حال الاختبار والابتلاء يتبيَّن المؤمن الحقيقي الذي يرغب في الإسلام في جميع الأحوال، سواء في السرَّاء أو الضرَّاء أو في العسر واليسر.
ومن الحكم في تصريف الأيَّام بين المسلمين والكافرين أيضًا أنَّ في ذلك إكرامًا من الله للمؤمنين بالشهادة، وهذا من رحمته -عزَّ وجلَّ- بعباده إذ يقيِّض لهم من الأسباب ما هو مكروهُ للنفوس، فينالوا به الدرجات العالية والنعيم المقيم في الجنة.
ثمَّ تُختم الآية الكريمة في بيان بغض الله -عزَّ وجلَّ- لمن ظلم نفسه وتقاعد عن الجهاد في سبيل الله، وفي ذلك تعريض في ذمِّ المنافقين ودلالة على أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- كره انبعاثهم وأبغضهم لذلك ثبَّطهم عن القتال.
ولا بأس في ذكر أقوال بعض المفسرين في معنى آية إن يمسسكم قرح لمزيد الفائدة، وفيما يأتي ذلك:
- تفسير الواحدي: إن ما أصابكم أيُّها المسلمون يوم أحدٍ من الجراح والألم، فقد أصيب المشركين يوم بدر بمثل ما أصابكم، وهذه سنة الله -عزَّ وجلَّ- في كونه حيث جعل الأيام بين الناس دولٌ يصرفها كيفما يشاء، فيجعل النصر مرة حليف طائفة ومرة أخرى يجعله حليف طائفةٍ أخرى، وذلك ليميِّز المؤمن الصادق من الذي قد يرتدّ عن دينه عند الابتلاء، وأيضًا ليكرم بعض المؤمنين بالشهادة، وهذا هو السبب الحقيقي لما حدث في غزوة أحد وليس محبةً من الله للكافرين.
- تفسير البيضاوي: إن أصاب المشركون يوم أحد منكم أيها المسلمون، فقد أصبتم منهم أنتم يوم بدر، وإنَّ الذي أصابهم لم يكن سببًا في إضعافهم، وعلى ذلك فالأولى ألَّا تضعفوا أنتم، فإنَّ أوقات الغلبة والنصر نداولها بين الناس، لحكمٍ كثيرة منها: تمييز المؤمن الحقيقي من غيره، وإكرام فئة منكم بالشهادة، وقيل المقصود بقوله تعالى: {وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ}، أي شهودًا معدَلين بالثبات والنصر، وختم الله -عزَّ وجلَّ- الآية الكريمة ببيانه بغضه للكافرين أو المنافقين.
وفي مقام بيان معنى الآية السابقة، لا بأس في الحديث حول نصر المسلمين وهزيمتهم في غزوة أحد، ففي الحقيقة إنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يُهزم في غزوة أحدٍ ولا في غيرها من الغزوات، ومن قال بهزيمته فقد خالف الصحة، بل إنَّ خطورة ادِّعاءه هذا يُوصله إلى الكفر، وإنَّ الدليل على أنَّ غزوة أحد لم تكن هزيمة للمسلمين كثيرة، وفيما يأتي بعضها:
- إنَّ نتيجة كل معركة لا تُقاس بعدد الخسائر فيها، بل تُقاس بحصول العدو على هدف القتال، والمتمثل بالقضاء على خصمه ماديًا ومعنويًا، وهذا لم يحدث في غزوة أحد، ودليل ذلك أنَّ المسلمين استطاعوا الخروج بعد الغزوة لمطاردة المشركين، فلو أنَّ قريشًا استطاعت هزيمتهم معنويًا لما استطاع الصحابة الخروج.
- إنَّ مجرد قدرة المسلمين على الخروج من الموقف الحرج وجعل خسائرهم محدودة يعدُّ نصرًا عظيمًا.
اقرأ أيضا: معنى آية أو كصيب من السماء
فوائد آية إن يمسسكم قرح
من الواجب عند بيان معاني آية من آيات كتاب الله أن يتمَّ تدبرها واستخراج فوائدها، ومن هذا المنطلق سيتم تدبر قول الله تعالى في سورة آل عمران: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}، واستخراج الثمرات المستفادة منها، وفيما يأتي ذلك:
- تُعطى الدنيا للبرِّ والفاجر، وللمسلم والكافر، وهذا دليلٌ على أنَّ الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة.
- لا يقتضي الابتلاء سخط الله على المبتلى، والعطاء لا يقتضي رضاه على المُعطى.
- إنَّ نصر الله للكافرين إنَّما هو نصرٌ ظاهري، أمَّا في الحقيقة فهو غلبة واستدراجًا لهم.
- وراء كلِّ ابتلاء للمسلم خير عظيم وحكمة بالغة.
- الأيام دولٌ بين النَّاس، وهذا يعلِّم المسلم عدم ظلم الغير وعدم الشماتة بمن أصابته مصيبة.
- الأخذ بالأسباب من الأمور التي ينبغي للمسلم أن يراعيها، فلا ينبغي له الركون إلى إيمانه وترك العمل.
اقرأ أيضا: معنى آية وأنزلنا عليكم المن والسلوى