معنى آية وما أوتيتم من العلم إلا قليلًا

سورة الإسراء سورة مكيّة إلا بضع آيات منها قيل أنها مدنيّة؛ لأن ظاهرالأحكام التي اشتملت عليها لا تناسب حال المسلمين قبل الهجرة، ومن سمات السورة حديثها عن القرآن بشكل تفصيلي لم يرد في أي سورة أخرى؛ لذلك يزيد البحث عن معاني آيات سورة الإسراء وخاصةً معنى آية وما أوتيتم من العلم إلا قليلًا وسبب نزول هذه الآية الكريمة.

معنى آية وما أوتيتم من العلم إلا قليلًا

معنى آية وما أوتيتم من العلم إلا قليلًا

إنّ معنى آية وما أوتيتم من العلم إلا قليلًا أي ويسألك الكفار عن حقيقة الروح تعنتًا، فأجبهم بأن حقيقة الروح وأحوالها من الأمور التي استأثر الله بعلمها، وما أُعطيتم أنتم وجميع الناس من العلم إلا شيئًا قليلًا، وهذا متضمن لردع من يسأل المسائل، التي لا يقصد بها إلا التعنت والتعجيز، ويدع السؤال عن المهم، وهم قاصرون في العلم الذي يحتاج إليه العباد.

واختلف المفسرون في المخاطب بقوله تعالى: {وَما أوتيتُم مِنَ العِلمِ إِلّا قَليلًا} فقالت طائفة: السائلون وحدهم وقيل أن السائلين كانوا من قريش والذي أشار عليهم بسؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح هم اليهود، وقالت طائفة أخرى: اليهود كلّهم، ومنه قرأ عبدالله بن مسعود “وما أوتوا” رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، والذي عليه جمهور المفسرين هو أن الخطاب للناس أجمع؛ لقراءة الجمهور “وما أوتيتم”، ولأن علم الناس كلّهم في علم الله قليل.

وآثر الله -عز وجل- بعدم الإجابة عن حقيقة الروح، وأبهم أمرها، فأمر النبي- صلى الله عليه وسلم- بصرفهم عن استعلامهم، بإجابتهم بقوله تعالى: {قُلِ الرّوحُ مِن أَمرِ رَبّي}؛ لأن سؤالهم كان على وجه التعنّت، وذلك لقول ابن عباس رضي الله عنه: “قالت قريشٌ ليَهودَ أعطونا شيئًا نسألُ هذا الرَّجلَ فقالَ سلوهُ عنِ الرُّوحِ قال فسألوهُ عنِ الرُّوحِ”، ولأن عقل الإنسان عاجز عن إدراك حقيقة الروح وكيفية وجودها في الجسد وكيفية نزعها منه؛ فأجيبوا بأنها من أمر الله، أي أنها كائن عظيم من مخلوقاته، اختصّ الله بعلمه.

وهناك اختلاف كبير بين المفسرين في مقصود الروح، فمنهم من قال: أن جبريل هو الروح؛ لقوله تعالى: {وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ}، ومنهم من قال أن الروح هي القرآن؛ لقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا}.

ويُروى عن علي بن أبي طالب بأنه قال: أن الروح ملك من الملائكة له سبعون ألف وجه، وتعدّدت الأقوال فيما المقصود بالروح، ولكنّ الذي ذهب إليه أكثر أهل العلم أن المراد بالروح هي التي تكون بها حياة الإنسان وكيفية سريانها في جسده، والله تعالى أعلم.

أعقب الله قوله: {قُلِ الرّوحُ مِن أَمرِ رَبّي} بقوله سبحانه: {وَما أوتيتُم مِنَ العِلمِ إِلّا قَليلًا}، وهذه الجملة يجوز أن تكون مما أمر الله به نبيّه بأن يجيبه للسائلين، ويجوز أن تكون تذييلًا فيكون الخطاب موجهًا لكل المسلمين. وتحمل الجملة في طيّاتها معانٍ ودلالات عدة، منها:

  • أولًا: أنّ الروح من المخلوقات الشريفة التي اختص الله بعلمها، فلا أحد من البشر يعرف ماهيتها، أو يعلم كيف تسري في الجسد أو كيف تُنتزع منه.
  • ثانيًا: أنّ الإنسان في أصله جهول، وأن الله هو الذي امتنّ عليه فعلّمه وهداه سُبُل العلم، وما كان له أن يعلم أدق الأمور وأبسطها لولا إرادة الله، فهو القائل: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا}.
  • ثالثًا: أن كل ما وصل إليه الإنسان من التطور التقني والتكنولوجي والطبي، والتفنّن في الصناعات، وركوب البرّ والبحر، وغيره من العلوم، ما هو إلا قدرًا ضئيلًا من العلم الذي في سعة الله، لذا عليه أن لا يتكبّر أو يسرف في الأرض.
  • رابعًا: أن في بعض الأحيان، قد يكون الجهل بحقيقة الشيء أفضل من العلم به، على ما للعلم من فضل ومكانة، إلا أن الجهل في أمر مثل الروح أفضل، لأن عقل الإنسان قد يعجز عن تصوّرها، وتصوّر سريانها في الجسد، وكيف تكون حياة الجسد متصلة بها، فآثر الله بعدم اطلاع أحد من خلقه على ماهيتها، لعلمه بقصور عقل الإنسان وقلّة إدراكه. والله تعالى أعلم.

اقرأ أيضا: معنى آية أن يقول له كن فيكون

وما أوتيتم من العلم إلا قليلًا

سبب نزول آية وما أوتيتم من العلم إلا قليلًا

إنّ سبب نزول قول الله تعالى: {وَيَسأَلونَكَ عَنِ الرّوحِ قُلِ الرّوحُ مِن أَمرِ رَبّي وَما أوتيتُم مِنَ العِلمِ إِلّا قَليلًا}، حديث الصجابيّ عبدالله بن مسعود- رضي الله عنه- حيث قال: “بيْنَا أنَا مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حَرْثٍ، وهو مُتَّكِئٌ علَى عَسِيبٍ، إذْ مَرَّ اليَهُودُ، فَقالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، فَقالَ: ما رَأْيُكُمْ إلَيْهِ؟ وقالَ بَعْضُهُمْ: لا يَسْتَقْبِلُكُمْ بشيءٍ تَكْرَهُونَهُ، فَقالوا: سَلُوهُ، فَسَأَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ.

أمْسَكَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ عليهم شيئًا، فَعَلِمْتُ أنَّه يُوحَى إلَيْهِ، فَقُمْتُ مَقَامِي فَلَمَّا نَزَلَ الوَحْيُ، قالَ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ، قُلْ: الرُّوحُ مِن أمْرِ رَبِّي وما أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إلَّا قَلِيلًا}”. [1]

اقرأ أيضا: معنى آية كل نفس ذائقة الموت

المصادر:
مصدر 1
مصدر 2
مصدر 3

المراجع
  1. الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم: 7456 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] []

مقالات ذات صلة