معنى آية ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله
يُعدّ معنى آية ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله من أعظم معاني الآيات التي يجب التوقف عليها، وتوضيح آراء المفسرين حول هذه الآية، وهي إحدى آيات سورة الحج التي تُعتبر من السور التي اختلف فيها العلماء على أقوال، والرأي الذي رجّحه جمهور المفسّرين أنّها قد خلطت آيات مكيّة ومدنيّة.
معنى آية ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله
قال الله تعالى في سورة الحج: {ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللهِ ۖ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ}، وتصف هذه الآية حال فئة من الناس ورد ذكرهم في الآية السابقة لها، إذ يقول تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ}.
وقد روى غير واحد من المفسرين -ومنهم الإمام القرطبي- أنّه هذه الآية وما سبقها قد نزلت في النضر بن الحارث أحد أعداء الإسلام؛ إذ كان يجادل في الله بغير علم، فكان يُنكر البعث ويُنكر نبوّة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وكان يقول إنّ الملائكة بنات الله تعالى -حاشا لله-.
وروي كذلك عن ابن عبّاس أنّها نزلت في أبي جهل، والقول الأوّل أشهر، فتقول هذه الآية في وصف الذي يُجادل في الله بغير علم، وفي معنى آية ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله يقول ابن عباس عن ثاني عطفه أنها دلالة على الاستكبار عن الحق.
وقال بعض التابعين إنّ معناه أنّه يلوي عنقه، وذلك قريب من قوله تعالى في سورة الذاريات: {وَفِي مُوسَىٰ إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ* فَتَوَلَّىٰ بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ}، أو قوله تعالى في سورة المنافقون: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ}، وهذا القول لمجاهد وقتادة وغيرهما رضي الله عنهما وعن سائر السلف الصالح.
وأمّا قوله تعالى {لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللهِ}، فمن المفسّرين من يرى اللام في قوله ليُضِلَّ هي لام التعليل؛ فتقدير الكلام حينها لكي يُضلّ، وهذا اختيار ابن كثير، ومنهم من يراها لام العاقبة؛ لأنّ ذلك الذي يُجادل بالله قد يكون لا يقصد ذلك.
ورأى بعض المفسّرين أنّها لام العاقبة لأنّها تشبه قوله تعالى في سورة القصص: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا}، وسبيل الله هنا المقصود به دينه وهو الإسلام، ثمّ يقول تعالى: {لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ}، أي إنّه سيُذل ويُهان في الدنيا، وسيلقى فيها الخزي والعار.
وقد اختلف المفسّرون في ذلك فمنهم من قال إنّ معنى ذلك أنّ المسلمين سيقتلونه بأيديهم وهو ما حدث في غزوة بدر الكبرى، ومنهم من قال إنّ ذلك هو الذكر السيّئ والقبيح الذي سيجري على ألسنة المسلمين منذ يومها وإلى يوم القيامة ما دام القرآن الكريم يُتلى، كما حدث مع أبي لهب في سورة المسد إذ قال تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}.
ثمّ يختم تعالى الآية الكريمة بقوله: {وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ}، ومعنى ذلك أنّ ذلك الذي يصدّ عن سبيل الله له يوم القيامة عذاب مقيم في النار، والله أعلم.
اقرأ أيضا: معنى آية لا تقنطوا من رحمة الله
معاني المفردات في آية ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله
- ثاني: الثاني هو الفاعل من الفعل ثنى، وثنيُ الشيء هو طويُه وردّ بعضه على بعض.
- عطفه: عِطف الشيء جانبه، وقال بعض اللغويين المحدثين إنّ العطف للإنسان هو من رأسه إلى وركه.
- ليضل: الضلال والضلالة كلّ ما هو ضد الهدى والرشاد، فهو الباطل والهلاك والعدول عن الصراط السوي المستقيم.
- سبيل: وهي الطريق، وقد تُذكّر وقد تؤنّث، فيُقال هذا سبيل وهذه سبيل، وسبيل الله الهدى والطريق الواضح الذي دعا الناس إليه وهو التوحيد ونبذ الشرك.
- خزي: الخزي في اللغة هو الذل والهوان كما ذهب جمع من علماء اللغة.
اقرأ أيضا: معنى آية وقل رب أنزلني منزلا مباركا
فوائد من آية ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله
لعلّ ممّا يمكن لقارئ هذه الآية أن يقف عليه هو أمر مهمّ جدًّا في ظلّ الحروب التي يشنّها أعداء الإسلام على الإسلام وأهله، ومحاولتهم الصدّ عن سبيله بكلّ ما أوتوا من طاقة في كلّ شيء، فمن سياق الآية وما جاء في كتب التفاسير عنها وعن شبيهاتها من الآيات القرآنيّة التي تثبت ضَعف أولئك الذين يصدّون عن سبيل الله، وضعف طرائقهم التي يحاولون من خلالها الصد عن دين الله الذي ارتضاه لعباده سبحانه، فكيدهم -لا بدّ- عائد إليهم، وقواهم الباطلة تهتزّ أمام أوّل زجرة من زجرات الحقّ التي تجعل الأرض تميد تحتهم.
وأيضًا ممّا يجب لفت النّظر إليه أنّ الله -تعالى- ناصرٌ دينه، وكلّ من وقف في وجهه لقي من الذل والهوان ما جعله آية للنّاس، كعمرو بن هشام المعروف بأبي جهل، وعبد العزّى بن عبد المطّلب المشهور بأبي لهب، والنّضر بن الحارث الذي نزلت في حقّه هذه الآية كما ذهب أكثر المفسّرين، فأولئك كانوا طغاة جبابرة يؤذون المسلمين ويعذّبونهم ويستضعفونهم قبل الهجرة، ويحسبون أنّهم مانعتهم قوّتهم من عذاب الله، ولكنّ الله -تعالى- يُملي للظّالمين حتّى إذا أخذهم أخذهم أخذَ عزيز مقتدر، فليعلم الذي يحارب الإسلام أنّ الإسلامَ منصورٌ بعزّ عزيز أو ذلّ ذليل، والله أعلم.
اقرأ أيضا: معنى آية لا تحزن إن الله معنا