معنى آية والله غالب على امره
جاء في سورة يوسف: {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ۚ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ وَاللهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}، وهذه الآية تتابع قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- التي بدأت مع بداية السورة المباركة، ويتساءل الكثيرون عن معنى آية والله غالب على امره وفوائدها.
معنى آية والله غالب على امره
تتناول الآيات الكريمة من سورة يوسف ما حدث عند وصول نبي الله يوسف عليه السلام إلى مصر، حيث اشتراه عزيز مصر من تلك القافلة التي أخذت النبي يوسف، وكان عزيز مصر يتسم بالفراسة، والدليل على ذلك أنه توسّم فيه الخير فقال لزوجته أن تُحسن إليه؛ لأنه قد يكون سببًا في نفعهم؛ فيحمل عنهم بعض الأعباء التي يتكلفونها خصوصًا بعد أن يكبر، وربما اتخذوه ولدًا لهم، حيث كان عزيز مصر لا يأتي النساء؛ فلم يكن له أي أولاد.
كانت زوجة عزيز مصر امرأة تتميز بالجمال الفتان، كما أنها كانت ممتلئة بالحيوية والشباب، وهناك اختلاف بين المفسرين حول اسمها، فقد قال البعض أن اسمها راعيل، بينما قال آخرون أنها تُسمى زَليخا، كما أن هناك خلاف حول اسم عزيز مصر في ذلك الوقت، فقيل أنه أحد العماليق وقد كان يُسمى الريان بن الوليد، وقيل أيضًا أن اسمه بوتيفار.
جاء في سورة غافر على لسان نبي الله موسى عليه السلام: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ}، وفي هذا السياق، يقول الكثير من المفسرين أن فرعون موسى كان من نسل فرعون يوسف.
يقول الله تعالى في سورة يوسف: {وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ}، والمعنى أن الله تعالى كما أخرج يوسف من غيبات الجُب، وأنقذه مما يُخطط له إخوانه من الغدر والقتل، فإنه أيضًا مكّن له أسباب السيادة، فبوّأه المنزلة العالية، وكتب له أن يكون على خزائن الأرض، كما عمله تأويل الرؤيا على أرجح أقوال المفسرين، فربط المفسرون بين تعليم تأويل الرؤيا وبين التمكين في الأرض وخزائن مصر.
أما معنى آية والله غالب على امره ولكن أكثر الناس لا يعلمون أي أن الله تعالى يفعل ما يشاء، ولن يستطيع أحد أيًا ما كان أن يمنع مشيئة الله تعالى أو يرد أمره أو يخالفه في أي شيء، فالله غالب على ما يريد، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
جاء في تفسير الطبري لقوله تعالى والله غالب على أمره أي أن الله تعالى استولى على أمر يوسف عليه السلام، فهو المُدبّر له، والذي يسوس أمره ويحوطه بالرعاية والحفظ، ومن ذلك يُفهم أن الضمير في أمره يعود على نبي الله يوسف، ويوافق الطبري في هذا التأويل الكثير من علماء السلف رضي الله عنهم.
وعن إعراب الآية، فالواو في قوله تعالى: {وَاللهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ} للاسئناف، ولفظ الجلالة مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهر، بينما “غالب” خبر مرفوع وعلامه رفعه الضمة الظاهر، و”على أمره” جر ومجرور، والهاء ضمير متصل مبنى في محل جر بالإضافة، وتجدر الإشارة إلى أن الجار والمجرور متعلقان بالخبر غالب، والجملة كلها استئنافية لا محل لها من الإعراب.
يُحمل قوله تعالى: {وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} وفقًا لتأويل الطبري على أن الكثير من الناس لا يعلمون ما فعل الله في أمر يوسف، أو أن أكثر الناس ليسوا على دراية بحكمة الله تعالى وتدبيره لخلقه، والواو في {وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} للعطف، ولكن حرف يُشبه الفعل، أما “أكثر” اسم لكن منصوب وعلامه نصبه الفتحة الظاهرة، وأكثر مضاف، والناس مضاف إليه مجرور، ولا نافية، أما يعلمون فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والجملة كلها معطوفة على ما قبلها.
اقرأ أيضا: معنى اسم الله العزيز
فوائد من آية والله غالب على أمره
من الفوائد التي ندركها من قوله تعالى والله غالب على أمره أن الله تعالى رسم لنبيه يوسف عليه السلام سبل المجد، ولكن هذا لا يعني أن الطريق كانت مفروشةً بالورود، بل إنها عُبّدت بالأشواك في بداية الأمر، فبينما ظن إخوة يوسف الذي كانوا بمثابة الأعداء أنهم استطاعوا التخلص من يوسف للأبد، وأزاحوه من طريقهم، إذ يكتب الله له الحفظ، ويحتاجون إليه في نهاية قصة يوسف بذهابهم إلى أرض مصر، وتعرّفه عليهم، وتوبتهم بعدما رأوا تحقّق رؤية يوسف، فالله، أنف الجميع، فعالٌ لما يريد.
على الإنسان أن يدرك أن الغلبة لله وحده، ولا جدال في هذا الأمر، فالله هو الذي يقول للشيء كن فيكون، ولكنّ الظالمين يعتقدون أنهم يمتلكون القوة التي ترد أمر الله، وهم بذلك من الغباء؛ لأن الله تعالى هو الذي أعطاهم هذه القوة، وقد دلت الحوادث على نهايات الظالمين التي تشيب لها الولدان من فرط هولها، والله تعالى أعلى وأعلم.
اقرأ أيضا: سورة يوسف مكية أم مدنية