معنى آية بينهما برزخ لا يبغيان
تحدّى اللهُ تعالى بالقرآن الكريم العربَ بل والعالمين من إنسٍ وجان، فلم يستطيعوا أن يأتوا بسورة من مثل هذا القرآن العظيم؛ لأنه الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وقد اشتمل على العديد من الإعجازات العلمية، ومن ذلك قوله تعالى في سورة الرحمن: {مرج البحرين يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ}، ويكثر البحث عن معنى آية بينهما برزخ لا يبغيان وما تتضمنه من إعجاز علمي.
معنى آية بينهما برزخ لا يبغيان
قال الله تعالى في سورة الرحمن: {مرج البحرين يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ}، وثبت عن أهل العلم في معنى آية بينهما برزخ لا يبغيان أن المقصود بالبحرين أي الأنهار التي تمتاز بعذوبة ميائها، والبحار ذات المياه المالحة، وقد استدل القائلون بهذا التفسير بقوله تعالى الوارد في سورة فاطر: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ}.
قال الإمام عبد الله بن عباس عن معنى قوله مرج البحرين أي أرسلهما، وجعلهما يلتقيان، بينما قال ابن زيد أن الله تعالى منع البحرين من الالتقاء بما جعل بينهما من البرزخ الذي يحجز ويفصل بينهما، فلا يبغيان أي لا يستطيعان الالتقاء، والبحران هما العذب والمالح، وتتمثل الحكمة من جعل البرزخ في الفصل بين البحرين فلا يختلطان، فيُفسِد كل منهما الآخر.
قال الإمام السعدي رحمه الله أن البحرين هما البحر العذب، والبحر المالح، فهما يلتقيان، ويصب العذب في المالح، ويمتزجان؛ لذلك جعل الله بينهما البرزخ من الأرض حتى لا يبغى أحدهما على الآخر، وبالتالي تحصل الفائدة من كلا البحرينن فيُشرب من العذب، وتشرب الأشجار والزروع، أما البحر المالح فهو لتطييب الهواء، وعيش الحيتان والأسماك، ومقر اللؤلؤ والمرجان، ومستقر السفن والمراكب، والله تعالى أعلى وأعلم.
اقرأ أيضا: فوائد من سورة الرحمن
الإعجاز العلمي في مرج البحرين
قال العلماء إن تناول الإعجاز العلمي في قوله تعالى مرج البحرين من المسائل العلمية التي ظهرت مع الاكتشافات العلمية الحديثة، وقبل أن نخوض في الإعجاز العلمي في الآية، تجدر الإشارة إلى ما قاله الإمام محمد أبو زهرة عن آية مرج البحرين حيث قال:
“إن هذه الآية من دلائل الإعجاز؛ لأنَّ محمدًا -صلَّى الله عليه وسلَّم- لم يَرَ البحار التي تمخر عبابَها السُّفن، فذكْرُهُ -سبحانَه وتعالى- لخواصِّها في القرآنِ دليلٌ على أنَّه ليس من عند محمَّد -صلَّى الله عليه وسلَّم- الذي لم يرها ولم يعرفْها، ودليل على أن الكلام للَّه تعالى، خالق البحر واليابس، والأنهار والبحار، وهو بكلِّ شيء عليم”.
أما بالنسبة إلى الإعجاز العلمي المقترن بما طرأ من اكتشافات علمية حديثة، فيجب أن نُشير إلى أن علم البحار من العلوم المستحدثة والتي لم تكن معروفة حتى زمن قريب، فلم يكن الإنسان لديه من القدرة التي تجعله يتجرأ على خوض البحار، وأن يبحث فيها، ولكن مع منتصف القرن العشرين، استطاع الإنسان أن يُنشأ المحطات في البحار والمحيطات، وأصبح من السهل أخذ العينات من مياه البحار والمحيطات؛ لحساب مدى كثافة الماء فضلًا عن قياس مقدار الملوحة في كل بحر أو محيط.
مع هذه الاكتشافات العلمية الحديثة، استطاع الإنسان أن يصل إلى أن المياه في البحار ليست واحدة، بل إنها مختلفة، وإن بينها فواصل وحواز، وهذا ما جاء واضحًا في سورة الرحمن، ويمثل دليل دامغ في وجه كل من يحمل في قلبه حقدًا على كتاب الله تعالى وآياته المشهودة في الأكوان، وما أثبته الحديث ليس سوى مصداقًا لما جاء في سورة فصلت: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}.
اقرأ أيضا: مقاصد سورة الرحمن
سورة الرحمن
تُعد سورة الرحمن من سور القرآن الكريم المباركة التي استُهلت باسم من أسماء الله الحسنى، ولم يسبق اسم الله الرحمن شيءٌ، وقد اجتمعت في السورة العديد من مظاهر الإعجاز القرآني، مثل الإعجاز البلاغي، والإعجاز العلمي، بل والإعجاز التشريعي أيضًا.
تكررت في سورة الرحمن آية {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} لدرجة أنها ذُكرت في السورة إحدى وثلاثين مرة، وذلك لأن السورة تُعدّد نعم الله تعالى وفضائله على عباده التي لا يُمكن حصرها.
تناولت السورة النعم الظاهرة والباطنة، كما عالجت في الجزء الأول منها الطريقة التي تسير بها الأفلاك، وتسخير السفن في البحار، كما تحدثت عن بدء الخلق من طين من حمأ مسنون، فضلًا عن تحدثها عن الإعجاز العلمي في البحار.
تمتاز سورة الرحمن بالأسلوب البلاغي العظيم، فقد بدأت بالترهيب والوعيد، ومن ثم انتقلت بعد ذلك لأسلوب الترغيب، وبعدها أمعنت الآيات في تفصيل ما أعدّه الله من نعيم للمؤمنين ثوابًا لهم على ما بذلوه في الدار الأولى من خيرات وصالحات، وخُتمت آيات السورة بالتسبيح وذكر الله المتصف بالجلال والإكرام، حيث قال تعالى: {تبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِْ}.
اقرأ أيضا: تجربتي مع سورة الرحمن