معنى آية الطيبون للطيبات والخبيثون للخبيثات
ورد في سورة النور الكريمة قول الله تعالى:{الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ۖ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ}، ويتساءل الكثير من المسلمين عن معنى آية الطيبون للطيبات والخبيثون للخبيثات خصوصًا وأن أهل التفسير قد اختلفوا في تفسيرها على عدة أقوال، وإن كانت كلها متقاربة وتخرج من مشكاة واحدة.
معنى آية الطيبون للطيبات والخبيثون للخبيثات
تتمثل أقوال العلماء في معنى آية الطيبون للطيبات والخبيثون للخبيثات في:
المعنى الأول
إن المعنى الأول لآية الطيبون للطيبات والخبيثون للخبيثات أي الطيبون من الناس للطيبات من الكلام، وذلك الرأي هو رأي الحسن ومجاهد، فالكلام وصفٌ لصاحبه، أي أن القول الطيب لا يخرج إلا من الرجال والنساء الطيبين، وقد أيّد هذا الرأي ابن جبير، وعطاء، وذلك اعتمادًا على ما جاء بعد هذه الآية وهو قول الله تعالى: (أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ)؛ والمقصود براءة الطيبين والطيبيات أي عائشة رضي الله عنها والصحابي الجليل صفوان بن المعطل مما يقوله الخبيثون والخبيثات من الكلام الخبيث في حق الأطهار.
المعنى الثاني
المعنى الثاني للآية إن الطيبون من الرجال للطيبات من النساء، والعكس، وذلك لما بينهم من التشابه الذي ينجم عنه الأنس والقرب في السمات والفضائل.
رغم أن هذا المعنى هو الأكثر شيوعًا بين الناس، ولكن الكثير من العلماء يعترضون على هذا التفسير ولا سيما بين الأزواج؛ لأن الواقع لا يؤيده بالضرورة، فهناك من الأزواج من يتصف بالخلق الرفيع، بينما يكون شريكه سيء الخلق، ويدل على ذلك أيضًا زواج آسية المرأة المؤمنة الطيبة، من فرعون غير الطيب، وزواج نبي الله نوح الطيب من زوجة كافرة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى نبي الله لوط وامرأته التي قدرها الله من الغابرين لسوء فعلها.
رد الذين قالوا بأن المقصود بالمشاكلة بين الأزواج على هذا القول بأن زواج المرأة الصالحة الطيبة من رجل غير صالح ليس مبررًا أن تكون الآية ليست في هذا المعنى؛ وذلك لأن إحدى القواعد الإلهية وسنن الله التي تجري في خلقه أن يسوق الناس إلى من يشابهونهم، فالطيب لا يتكلم إلا بطيب، ولا يحرص إلا على الزواج من الطيب، والإنسان يميل إلى من يشابهه ميلًا فطريًا طبيعيًا.
المعنى الثالث:
ذهب بعض المفسرين إلى معنى ثالث للآية وهو يختص بالأعمال والأخلاق، فقد قالوا أن الطيبين لا يصدر عنهم إلا الأعمال الطيبات والأخلاق الكريمة، فالطيبون من الناس للطيبات من الحسنات، والعكس.
بينما معنى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ}، فالخبيثات جمع لكلمة خبيثة، والمقصود بالخبث أي المحرم والردئ، والخبيثة أي الرديئة والماكرة، والخبيثين جمع لخبيث وهو الفاسد الباطل.
اقرأ أيضا: موضوعات ومضامين سورة النور
سبب نزول آية الطيبون للطيبات والخبيثون للخبيثات
يتساءل الكثيرون عن سبب نزول آية {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ۖ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} في سورة النور، وقد نزلت الآية فيمن اتهموا أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما ظلمًا وبهتانًا؛ والدليل على ذلك أن الآية جاءت تعقيبًا على ما سبقها من توبيخ للخائضين في الأعراض في حادثة الإفك.
تذم الآية كل من يخوض في أعراض الناس، وتبرأ الطيبون والأطهار من الناس من الخبيثات من الأقوال، وإذا قال المؤمن القول الخبيث مرة، فإن الله يصفح عنه بشرط أن يتوب إليه، ويندم على ما فعل، أما إذا قيلت هذه الكلمات الخبيثة في حق المؤمنين، فإنها لن تضر إلا قائلها.
قال مجاهد عن قوله تعالى: {أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ}، أي من كان طيبًا، فهو مبرأ من الخبيث، ومن كان خبيثًا، فهو مبرأ من القول الطيب الصالح، فيرده تالله عليه، وعُني بالآية عائشة وصفوان بن المعطل.
اقرأ أيضا: أسباب نزول سورة النور
فوائد آية الطيبون للطيبات والخبيثون للخبيثات
تتعدد الفوائد والثمرات التي يمكن استخلاصها من الآية الكريمة ومن ذلك ما يأتي:
- يجب على المسلم أن يحفظ لسانه، فلا يتفوه إلا بما هو طيب وحسن من الأقوال، ولا بد من الابتعاد تمامًا عن الكلام الفاحش الباذيء، فهو لا يخرج إلا من الخبيثاء، كما يجب تجنب القذف والخوض في أعراض الناس؛ لأنه من أفعال الخبيثين والخبيثات.
- يتعين على المسلم أن يتحرى الطيب في جميع الأقوال والأفعال، بل حتى في اختياراته، ويشمل هذا الاختيار باب الزواج أيضًا، فلا ينبغي لمسلم مشهود له بالصلاح أن يتزوج من امرأة معروفة بسوء خلقها وارتكابها للفواحش، فلا بد من تحري الأصل الطيب أيضًا في المرأة التي يتزوج بها المسلم حتى تقوم الأسرة على أساس صالح.
- لا يقتصر الأمر على الرجال المسلمين فقط، بل يجب على المرأة المسلمة أيضًا أن تتخير الزوج الصالح، ففي الآية إشارة هامة لمن أراد بناء بيت ثابت البنيان، فلو كان أصل الزوجين طيبًا، بُني البيت على الطيب، بينما إذا كان خبيثًا، بُني البيت على الخبث والرادءة، مما يؤثر على المجتمع كله بالسلب، فعلى المسلم أن يضع هذه القاعدة نصب عينيه في أمور حياته كلها، ويتخذها منهجًا يقيس عليه ما يصدر منه وما يفعله.
اقرأ أيضا: أحاديث عن الزواج في القرآن الكريم