مع حلول موسم الحج كل عام، تكثر التساؤلات التي تشغل بال النساء حول أحكام فريضة الحج، حيث تخشى كل امرأة الوقوع في محظورات شرعية قد تجعل حجّها بلا ثواب أو منقوص الأجر، ومن أبرز هذه التساؤلات هل يجوز الحج للمرأة مع مجموعة نساء أم لا؟
هل يجوز الحج للمرأة مع مجموعة نساء
اختلف العلماء في الإجابة عن سؤال هل يجوز الحج للمرأة مع مجموعة نساء أم لا، حيث تقوم هذه المجموعة مقام المحرم، وقد جاءت آراء العلماء على هذا النحو:
الحنفية والحنابلة: ذهب الحنفية والحنابلة إلى منع ذلك، واشترطوا وجود المَحرَم مطلقاً، واستندوا في ذلك إلى عموم الأحاديث التي تنهى عن سفر المرأة دون محرم، كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ باللَّهِ وَالْيَومِ الآخِرِ، تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَومٍ وَلَيْلَةٍ إلَّا مع ذِي مَحْرَمٍ عَلَيْهَا). (( الراوي : أبو هريرة | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 1339 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] ))
وحديث ابن عباس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بامْرَأَةٍ إلَّا وَمعهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَلَا تُسَافِرِ المَرْأَةُ إلَّا مع ذِي مَحْرَمٍ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ امْرَأَتي خَرَجَتْ حَاجَّةً، وإنِّي اكْتُتِبْتُ في غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، قالَ: انْطَلِقْ فَحُجَّ مع امْرَأَتِكَ). (( الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 1341 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] ))
الشافعية والمالكية: ذهب المالكية والشافعية إلى جواز سفر المرأة للحج الواجب أو العمرة الواجبة مع عصبة النساء من غير وجود مَحرَم، واستندوا في ذلك إلى عدّة أدلّة، هي:
- قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث عدي بن حاتم -رضي الله عنه-، حيث قال رسول الله: (فإنْ طَالَتْ بكَ حَيَاةٌ، لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الحِيرَةِ، حتَّى تَطُوفَ بالكَعْبَةِ لا تَخَافُ أحَدًا إلَّا اللَّهَ). (( الراوي : عدي بن حاتم الطائي | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 3595 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] ))
- ثبوت العمل بذلك عن عددٍ من الصحابة والتابعين -رضي الله عنهم جميعاً-.
- عموم قول الله -سبحانه-: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)، وفسّر النبي -صلى الله عليه وسلم- الاستطاعة في حديث ابن عمر -رضي الله عنه- قال: (جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ، فقال: يا رسولَ اللهِ، ما يُوجبُ الحجَّ؟ قال: الزَّادُ والرَّاحلةُ) (( الراوي : محمد بن عباد بن جعفر | المحدث : ابن حزم | المصدر : المحلى، الصفحة أو الرقم: 7/53 | خلاصة حكم المحدث : فيه ساقط مطرح )) فحصر النبي -صلى الله عليه وسلم- الاستطاعة بالزاد والراحلة دون اشتراط المحرم للمرأة، فدلّ ذلك على وجوب الحج على الرجل والمرأة عند توفّر الزاد والراحلة فقط، ووجّهوا أدلة النهي التي استدلّ بها المانعون على أن المراد بها النّسك المستحب، أمّا النّسك الواجب فقد خُصّ بقوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا).
ويُشترط في جواز الحج للمرأة مع عصبة النساء عدّة شروط، وهي:
- تحقّق أمن الطريق.
- تحقّق أمن الفتنة.
- أن تكون رفقة النساء أهلاً للثّقة والأمان.
- الالتزام باللّباس الشرعي للمرأة، والتّمسك بالأخلاق والآداب العامة.
- أن تكون إقامتها وسط نساء قد عُرِفن بخلقهنَّ ودينهنَّ.
اقرأ أيضا: أخطاء شائعة في الحج
لباس النساء في الحج
تختلف المرأة عن الرجل في لباس الإحرام، حيث إنه لا يُشترط لإحرامها لباسٌ معيّنٌ، فتلبس المخيط، ولها أن تُحرم بما شاءت من اللباس، مع وجوب التزامها باللباس الشرعيّ وبُعدها عن الزينة والملابس التي تلفت الأنظار، كما لا يُشترط في لباسها لونٌ معيّنٌ، بل تلبس من الألوان ما شاءت ما دامت ملتزمةً بضوابط الشّرع في لباس المرأة المسلمة.
من محظورات الإحرام للمرأة المُحرِمة؛ لبس النقاب والقفّازين، كما ورد في حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: (ولَا تَنْتَقِبِ المَرْأَةُ المُحْرِمَةُ، ولَا تَلْبَس القُفَّازَيْنِ). (( الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 1838 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] ))
يجوز للمرأة أن تغطّي وجهها بغير النّقاب عن طريق إسدال شيءٍ من ثوبها على وجهها عند الحاجة؛ كمرورها أمام الرجال، وهذا قول الفقهاء وأصحاب المذاهب الأربعة، فعن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- قالت: (كنّا نُغطِّي وجوهَنا من الرجالِ، وكنا نمشطُ قبل ذلك في الإحرامِ). (( الراوي : أسماء بنت أبي بكر | المحدث : الألباني | المصدر : إرواء الغليل، الصفحة أو الرقم: 4/212 | خلاصة حكم المحدث : صحيح على شرط الشيخين ))
أما إذا لبست المرأة النّقاب أو القفّازين وهي محرِمة؛ فقد ارتكبت أحد محظورات الإحرام، ويجب عليها الكفّارة؛ وهي التخيير بين ذبح شاة، أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستّة مساكين، وإن فعلت ذلك بسبب جهلها بالحكم أو نسيانها فلا شيء عليها.
كما أن من محظورات الإحرام مسّ الطِّيب للمُحرِم؛ لنهي النبي عن ذلك، وهذا الحكم يشمل كلا الجنسين الرجل والمرأة، لكن يستحب للمُحرِم أن يضع شيئاً من الطيب قبل أن يحرم إن كان رجلاً، أما المرأة فيجوز لها ذلك قبل الإحرام بشرط أن يكون خفيفًا، حيث لا يُشَمّ منها إن مرّت بالرجال، أما الحنّاء فيجوز خضب الشعر بها، سواء قبل الإحرام أو بعده، ولا يُعدّ من محظورات الإحرام، ولا بأس في حلّ ضفائر الشّعر للمُحرِمة سواءً للغُسل أو لغيره، بشرط عدم تعمّد قطْع شيءٍ من الشعر في أثناء ذلك.
اقرأ أيضا: أدعية يوم عرفة مكتوبة 1442