تجربتي مع سورة التكاثر
تجربتي مع سورة التكاثر من التجارب الفارقة في الحياة وذلك لأن المقصد من هذه السورة الكريمة التأكيد على أن سبب هلاك الإنسان يوم القيامة هو إلتهاءه بالتكاثر وانشغاله به عن العلم العبادة والعمل للآخرة.
تجربتي مع سورة التكاثر
تقول إحدى الفتيات: تجربتي مع سورة التكاثر من التجارب الشخصية التي أود مشاركتها مع جميع الناس حتى يعلم الناس فضل هذه السورة المباركة، فقد كنت أعيش في أسرة ذات أجواء محبة وهانئة، إلا أن دوام الحال من المحال إذ بدأت تلك الاجواء الأسرية الهانئة تنقلب شيئًا فشيئًا وبدأت أحوال أبي تتغير وأصبح هذا التغير لا يُحتمل، إذ أصبح دائم المشاحنة والشجار وابتعد عن بالمنزل حتى أنه صار ينام بعيدًا ولا يجتمع معنا أثناء تناول الطعام كالعادة.
تحكي الفتاة بأنها رغم معرفتها بفضل سورة التكاثر في حل الأزمات إلا أنها كانت تهملها في البداية ولكن قررت أن تعود لتهتم بالقراءة، فبدأت تقرًا سورة التكاثر على الماء وتوزع هذا الماء على أركان المنزل كله وبمجرد أن بدأت في ذلك بدأت أجواء المنزل المشحونة تهدأ شيئًا فشيئًا وتعود إلى طبيعتها، إلى أن عاد والدها لسيرته الأولى وهدأت الأحوال بالمنزل بفضل الله تعالى.
اقرأ أيضا: تجربتي مع سورة القمر
أسرار سورة التكاثر
تعظم أسرار سورة التكاثر ويدل على ذلك ما جاء في السنة النبوية من حديث عبد الله بن عمر: ”ألا يستطيعُ أحدُكم أنْ يقرأَ ألْفَ آيةٍ كلَّ يومٍ؟ قالُوا: ومن يستطيعُ ذلك؟ قال: أما يستطيعُ أحدُكم أنْ يقرأَ “أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ”. (( الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : المنذري | المصدر : الترغيب والترهيب، الصفحة أو الرقم: 2/321 | خلاصة حكم المحدث : رجال إسناده ثقات ))
عن عبد الله بن الشخير: دُفِعتُ إلى رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو يَقرَأُ هذه السُّورةَ {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}.. فذكَرَ مِثلَهُ سَواءً [أي: حديثَ: أنَّ رجُلًا انتهى إلى رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يقولُ -وقال وكيعٌ مرَّةً: إنه انتهى إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يقرأُ-: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر: 1، 2] قال: يقولُ ابنُ آدَمَ: مالي مالي، وهل لك مِن مالِك إلَّا ما تصَدَّقْتَ فأمضَيتَ، أو لَبِسْتَ فأبلَيتَ، أو أكَلْتَ فأفنَيتَ]. (( الراوي : عبدالله بن الشخير | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند، الصفحة أو الرقم: 16324 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح على شرط مسلم ))
عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: “كان رسُولُ الله يوتِرُ بثلاثٍ، يقرُأ في الأولى “أَلهاكُمُ التَّكاثُرُ” و “إنَّا أَنزَلنَاهُ” و “إِذا زلزِلَتِ”، ويقرأُ في الثَّانية “العَصْرِ” و “إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ” و “إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ”، وفي الثَّالثةِ “قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ” و “تَبَّتْ” و “قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ”. (( الراوي : علي بن أبي طالب | المحدث : الطبراني | المصدر : المعجم الأوسط، الصفحة أو الرقم: 2/58| خلاصة حكم المحدث : تفرد به يعقوب عن يزيد ويونس بن بكير عن يونس بن أبي إسحاق ))
احتوت السورة على موضوع واحد وهو انشغال الناس جهلاً بالتكاثر، ثم تهديدهم ووعيدهم ببيان نتائج وآثار هذا الفعل في الدنيا بعذاب القبر، والآخرة في الجحيم: إن الناس قد انشغلوا جهلاً بالتكاثر، وكأن مقصد الحياة عندهم هو التكاثر فقط؛ بينما الحق اليقين هو أن الله جعل التكاثر وسيلة بقاء واستقرار مؤقت ومتاع بالنعيم، لمقصد أعلى وهو الاختبار بما هم فاعلين في هذا النعيم؛ فالحكمة والغرض من وجود الإنسان، والحق والعلم اليقين هو في الآية الأخيرة {لَتُسْأَلُنَّ … عَنِ النَّعِيمِ} بينما هم انشغلوا بما تضمنته الآية الأولى {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}. وباقي آيات السورة تفصّل وتسهل في فهم هذا المقصد في مكانين وزمانين مختلفين كما يلي:
ففي الدنيا: انشغلوا جهلاً بالتكاثر، فتتهددهم الآيات وتتوعدهم بأنهم سوف يعلمون الحقيقة ولكن بعد فوات الأوان حين يموتون ويصيرون إلى المقابر. ويظهر ذلك في الآيات الأربعة الأولى من السورة.
هدد اللّه المتكاثرين بقوله: {سَوْفَ تَعْلَمُونَ} عاقبة هذا الانشغال بالتكاثر والتباهي والتفاخر في برزخ القبر، إذا أنزل بكم الموت الذي هو خاتمة ايام الدنيا ومفتتح أيام الآخرة. قال علي كرم اللّه وجهه: كنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت هذه السورة التي فيها هذه الآية فأيقنّا.
وفي الآخرة: سيعلمون الحقيقة علم اليقين وسيرونها بأم أعينهم، أن جهلهم ساقهم إلى الجحيم يقيناً، وأنهم محاسبون على كل نعيم انشغلوا به في حياتهم عن آخرتهم. ويظهر ذلك في الآيات الأربعة الأخيرة من السورة.
وقد أكد سبحانه إنذاراته الثلاثة لهم بأنهم سوف يعلمون بالقسم {لَتَرَوُنَّ} أيها المتفاخرون المتكاثرون {الْجَحِيمَ} بأبصاركم عيانا بعد الموت قبل الجزاء، وهي التي أوعدكم العذاب فيها على لسان رسله، ثم كرر القسم تشديدا للتهديد وتهويلا للأمر فقال عز قوله: {ثُمَّ لَتَرَوُنَّها} أي الجحيم المذكورة {عَيْنَ الْيَقِينِ} بالمشاهدة لا خفاء فيها.
ففي الدارين تهديد مرعب يظهر فداحة جهلهم حين انشغلوا بالزائل عن الباقي، وبالفاني المحدد عن الخلود، وبنعيم يكاثرونه حتى حين عن نعيم مقيم متكاثر لا ينقضي. فأي هلاك هذا الذي أخذوا أنفسهم إليه بالجهل والظلام والعمى، وتركوا النجاة بالعلم والنور والبصيرة. أنهم وقد ألهاهم التكاثر عن سماع الحق والعلم به، وانشغلوا بالنعيم عن طاعة المنعم، أو استمتعوا بالضيافة دون أن يعيروا انتباهاً أو يستمعوا للمضيف، يستحقون كل التوبيخ والتقريع الذي في السورة وأكثر.
اقرأ أيضا: فوائد من سورة التكاثر