تجربتي مع سورة العنكبوت

تعظم تجربتي مع سورة العنكبوت وتدبر آياتها وذلك لأنها تُوضّح حقيقة الإيمان وأنه أعمال لا أقوال، فقد جرت سنة الله سبحانه أنه لن يترك الناس دون أن يفتنوا، فيمتحن إيمانهم حتى يعلم الذين صدقوا منهم ويعلم الكاذبين. فالإيمان بالله يتضمن الصبر ومجاهدة النفس على اتباع دينه الذي يتحدد به مصير الناس.

تجربتي مع سورة العنكبوت

تحربتي مع سورة العنكبوت

يروي الصحابي الجليل سعد بن مالك تجربته مع سورة العنكبوت فيقول: كُنتُ رَجُلًا بَرًّا بأُمِّي، فلمَّا أسلَمْتُ، قالت: يا سعدُ، ما هذا الذي أراكَ قد أحدَثْتَ؟ لتَدَعَنَّ دِينَك هذا أو لا آكُلُ ولا أشرَبُ حتى أموتَ، فتُعيَّرُ بي، فيُقالُ: يا قاتِلَ أُمِّه، فقُلتُ: لا تَفعَلي يا أُمَّهْ؛ فإنِّي لا أدَعُ دِيني هذا لشَيءٍ، فمَكَثَتْ يومًا وليلَةً لم تأكُلْ فأصبَحَتْ قد جَهِدَتْ، فمَكَثَتْ يومًا وليلةً أخرى لا تأكُلُ، فأصبَحَتْ قد اشتَدَّ جُهدُها، فلمَّا رأيتُ ذلك قُلتُ: يا أُمَّهْ، تَعلمينَ واللهِ لو كانت لك مِئَةُ نفْسٍ، فخَرَجَتْ نفْسًا نفْسًا، ما تَرَكْتُ دِيني هذا لشَيءٍ، فإنْ شِئتِ كُلي، وإنْ شِئتِ لا تأكُلي، فأَكَلَتْ، فأنزل الله من سورة العنكبوت “وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بوَالِدَيْهِ حُسْنًا وإنْ جَاهَدَاكَ علَى أَنْ تُشْرِكَ بي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ“. [1]

يقول أحد المسجونين: تجربتي مع سورة العنكبوت كانت عندما أمسكت مصحفي يائسًا، وقلت لنفسي: فرّ إلى كلام ربك لعلك تجد فيه سلواك، فقرأت غير منتبهًا ومررت بالسور أجري كأني أهرب من يأسي حتى استفتحت سورة العنكبوت وقرأت قوله تعالى: “أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ” فشعرت أنني أقرأ هذه السورة لأول مرة، وبثت كلمات ربي في نفسي العزيمة والصبر والجلد على ما أتحمل، فكانت سببًا في زيادة يقيني، وأخذت أعيد القراءة، وأتوقف عند قوله تعالى: “وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ” وأقول لنفسي: أنزلت تلك السورة قبل 1400 عام حقًا، والله أحسبها كأنني نزلت لي خاصة لتثبيتي على ما أمر به من ضوائق، فالله أحسب هذه السورة دواءًا وشفاءًا لكل مكروب ومهموم.

اقرأ أيضا: ما هي السورة التي ذكر فيها البعوض

خواص سورة العنكبوت

سورة العنكبوت

هناك العديد من الأدلة على اختصاص سورة العنكبوت بالفضل فضلًا عن ثواب قرائتها ودليل ذلك ما جاء عن أبي بن كعب رضي الله عنه: “من قرأ سورة العنكبوت كان له من الأجر عشر حسنات بعدد المؤمنين والمنافقين”. [2]

وقد ورد في فضل سورة العنكبوت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقرأها في الركعة الأولى من صلاة كسوف الشمس، فعن عَائِشَة رَضِي الله عَنهُا: “أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي فِي كسوف الشَّمْس وَالْقَمَر أَربع رَكْعَات وَأَرْبع سَجدَات يقْرَأ فِي الرَّكْعَة الأولى بالعنكبوت أَو الرّوم وَفِي الثَّانِيَة بيس”. [3]

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: كان ناسٌ من أهلِ مكةَ قدْ أسلَمُوا وكانوا مستَخْفِينَ بالإسلامِ فلما خرج المشركون إلى بدرٍ أخرجوهم مُكْرَهينَ فأُصيبَ بعضُهم يومَ بدرٍ مع المشركينَ فقال المسلمونَ أصحابُنا هؤلاءِ مسلِمونَ أخرَجوهم مكْرَهِينَ فاستغفَرُوا لهم فنزلَتْ هذِهِ الآيةُ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ الآيةَ فكتب المسلمونَ إلى من بَقِيَ منهم بمكةَ بهذِهِ الآيَةِ فخرجوا حتَّى إذا كانوا ببعْضِ الطريقِ ظهر عليهم المشركونَ وعلى خُروجِهِم فلَحِقُوهُم فردُّوهم فرجَعوا معهم فنزلَتْ هذِهِ الآيَةُ من سورة العنكبوت. [4]

يتبين من آيات سورة العنكبوت أن الدليل على الإيمان هو بالاستقامة في الأعمال التي هي اتباع الدين الذي هو فطرة الله التي فطر الناس عليها، والتكذيب هو باتباع الشهوات وغرور الشيطان ووعوده.

وتحتاج الاستقامة إلى مجاهدة لأنها أعمال صالحة واتباع قوانين أو تكاليف وحفاظ على روابط وعقود مع باقي الناس والمخلوقات على الأرض، أما التكذيب فهو أسهل لأنه تحرر من القوانين واتكال على تحقيق الشهوات والملذات ولو على حساب مصلحة الغير. قد يظن أكثر الناس أنهم بسبقهم إلى حقوق الغير ناجين بفعلتهم ساء حكمهم، لأن الله مبتليهم بهذا ومحاسب الجميع بالعدل على ظلمهم وتعديهم على حقوق غيرهم.

ومن أسرار سورة العنكبوت من حيث مناسبته لما قبلها وما بعدها، أنه لما اكتمل الدين في مطلع نصف القرآن الثاني: ببيان سور مريم وطه والأنبياء أن دين الله رحمة، والحج والمؤمنون والنور مراحل الترقي في الإسلام، والفرقان والشعراء والنمل والقصص أن القرآن مبين وهدى وبشرى ورحمة ونذيراً، صار لزاماً أن نعلم الحكمة من لزوم اتباع الدين، فجاء بيانه في سورة العنكبوت: وذلك بتوضيح نعمة الابتلاء من أجل تمييز الصادقين من الكاذبين، والمؤمنين من المنافقين، وهو أيضاً تدريب على الإيمان فمن الناس من يزداد إيماناً ولكن أكثرهم بآيات الله يجحدون.

اقرأ أيضا: فوائد من سورة العنكبوت

المصادر:
مصدر 1
مصدر 2
مصدر 3

المراجع
  1. الراوي : سعد بن مالك| المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج العواصم والقواصم، الصفحة أو الرقم: 2/ 228 | خلاصة حكم المحدث : إسناده قابل للتحسين []
  2. الراوي : أبي بن كعب | المحدث : ابن حجر العسقلاني | المصدر : الكافي الشاف، الصفحة أو الرقم: 218 | خلاصة حكم المحدث : موضوع []
  3. الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : العيني | المصدر : عمدة القاري، الصفحة أو الرقم: 7/96 | خلاصة حكم المحدث : صحيح []
  4. الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : الهيثمي | المصدر : مجمع الزوائد، الصفحة أو الرقم: 7/12 | خلاصة حكم المحدث : رجاله رجال الصحيح غير محمد بن شريك وهو ثقة []

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *