الشعر العربي في الغزل

الشعر العربي في الغزل

by محمود عاطف
الشعر العربي في الغزل

إنّ الغزل هو أحد الأغراض الشعريّة عند الشعراء بمختلف العصور، فكان الشعراء يتغزّلون بالنساء، ويتحدّثون حِيالهنّ بمشاعر الهيام والصّبابة والعشق، إذ طغى هذا الغرض على أشعارهم؛ لذلك تكثر قصائد الشعر العربي في الغزل.

الشعر العربي في الغزل

الشعر العربي في الغزل

يُعدّ الغزل من أصدق فنون الشعر العربي؛ إذ كان الشعراء يُصوّرون أحداث النّفوس وخلجاتها بكلّ صدق فنيّ وبلاغة، فيكشف عن دواخل المُحبّ، وعن سريرة المحبوبة، فينبع من عاطفة الحب، ويدور في أغلبه حول المرأة.

يُمثّل الغزل العاطفة الإنسانيّة الخالدة على مرّ العصور، فكان الغزل من أصدق الفنون وأكثرها تأثيرًا وخيالًا وإبداعًا في الأسلوب، وهو أبعد الأغراض عن النّحل والوضع؛ ذلك لأنّه يصف ما هو داخليّ، ولا يعتمد على الوقائع الخارجيّة والنّزعات القبليّة.

ومن أجمل قصائد الشعر العربي في الغزل قصيدة زهير بن أبي سلمى التي يقول فيها:

صَحا القَلبُ عَن سَلمى وَأَقصَرَ باطِلُه

وَعُرِّيَ أَفراسُ الصِبا وَرَواحِلُه

وَأَقصَرتُ عَمّا تَعلَمينَ وَسُدِّدَت

عَلَيَّ سِوى قَصدِ السَبيلِ مَعادِلُه

وَقالَ العَذارى إِنَّما أَنتَ عَمُّنا

وَكانَ الشَبابُ كَالخَليطِ نُزايِلُه

فَأَصبَحتُ ما يَعرِفنَ إِلّا خَليقَتي

وَإِلّا سَوادَ الرَأسِ وَالشَيبُ شامِلُه

لِمَن طَلَلٌ كَالوَحيِ عافٍ مَنازِلُه

عَفا الرَسُّ مِنهُ فَالرُسَيسُ فَعاقِلُه

فَرَقدٌ فَصاراتٌ فَأَكنافُ مَنعِجٍ

فَشَرقِيُّ سَلمى حَوضُهُ فَأَجاوِلُه

فَوادي البَدِيِّ فَالطَوِيُّ فَثادِقٌ

فَوادي القَنانِ جِزعُهُ فَأَفاكِلُه

وَغَيثٍ مِنَ الوَسمِيِّ حُوٍّ تِلاعُهُ

أَجابَت رَوابيهِ النِجا وَهَواطِلُه

هَبَطتُ بِمَمسودِ النَواشِرِ سابِحٍ

مُمَرٍّ أَسيلِ الخَدِّ نَهدٍ مَراكِلُه

تَميمٍ فَلَوناهُ فَأُكمِلَ صُنعُهُ

فَتَمَّ وَعَزَّتهُ يَداهُ وَكاهِلُه

أَمينٍ شَظاهُ لَم يُخَرَّق صِفاقُهُ

بِمِنقَبَةٍ وَلَم تُقَطَّع أَباجِلُه.

كما يقول عنترة بن شداد:

إذا الريحُ هبَّتْ منْ ربى العلم السعدي

طفا بردها حرَّ الصبابةِ والوجدِ

ولولاَ فتاة في الخيامِ مُقيمَةٌ

لما اختَرْتُ قربَ الدَّار يومًا على البعدِ

مُهفْهَفةٌ والسِّحرُ من لَحظاتها

إذا كلمتْ ميتًا يقوم منْ اللحدِ

أشارتْ إليها الشمسُ عند غروبها

تقُول: إذا اسودَّ الدُّجى فاطْلعي بعدي

وقال لها البدرُ المنيرُ ألا اسفري

فإنَّك مثْلي في الكَمال وفي السَّعْدِ

فولتْ حياء ثم أرختْ لثامها

وقد نثرتْ من خدِّها رطبَ الوردِ

وسلَّتْ حسامًا من سواجي جفونها

كسيْفِ أبيها القاطع المرهفِ الحدّ

تُقاتلُ عيناها به وَهْوَ مُغمدٌ

ومنْ عجبٍ أن يقطع السيفُ في الغمدِ

مُرنِّحةُ الأَعطاف مَهْضومةُ الحَشا

منعمة الأطرافِ مائسة القدِّ

يبيتُ فتاتُ المسكِ تحتَ لثامها

فيزدادُ منْ أنفاسها أرج الندّ

ويطلعُ ضوء الصبح تحتَ جبينها

   فيغْشاهُ ليلٌ منْ دجى شَعرها الجَعدِ

وبين ثناياها إذا ما تبسَّمتْ

مديرُ مدامٍ يمزجُ الراحَ بالشَّهد

شكا نَحْرُها منْ عِقدها متظلِّمًا

فَواحَربا منْ ذلكَ النَّحْر والعقْدِ

فهل تسمح الأيامُ يا ابنةَ مالكٍ

بوصلٍ يداوي القلبَ من ألم الصدِّ

سأَحْلُم عنْ قومي ولو سَفكوا دمي

وأجرعُ فيكِ الصَّبرَ دونَ الملا وحدي

وحقّكِ أشجاني التباعدُ بعدكم

فها أنتمُ أشجاكم البعدُ من بعدي

حَذِرْتُ من البيْن المفرِّق بيْننا

وقد كانَ ظنِّي لا أُفارقكمْ جَهدي

فإن عانيت عيني المطايا وركبها

فرشتُ لدَى أخْفافها صَفحةَ الخدِّ.

ويقول جرير:

أَلا أَيُّها القَلبُ الطَروبُ المُكَلَّفُ

أَفِق رُبَّما يَنأى هَواكَ وَيُسعِفُ

ظَلِلتَ وَقَد خَبَّرتَ أَن لَستَ جازِعاً

لِرَبعٍ بِسَلمانينَ عَينُكَ تَذرِفُ

وَتَزعُمُ أَنَّ البَينَ لا يَشعَفُ الفَتى

بَلى مِثلَ بَيني يَومَ لُبنانَ يَشعَفُ

وَطالَ حِذاري غُربَةَ البَينِ وَالنَوى

وَأُحدوثَةٌ مِن كاشِحٍ يَتَقَوَّفُ

وَلَو عَلِمَت عِلمي أُمامَةُ كَذَّبَت

مَقالَةَ مَن يَنعى عَلَيَّ وَيَعنُفُ

بِأَهلِيَ أَهلُ الدارِ إِذ يَسكُنونَها

وَجادَكِ مِن دارٍ رَبيعٌ وَصَيِّفُ

سَمِعتُ الحَمامَ الوُرقَ في رَونَقِ الضُحى

بِذي السِدرِ مِن وادي المَراضَينِ تَهتِفُ

نَظَرتُ وَرائي نَظرَةً قادَها الهَوى

وَأُلحي المَهارى يَومَ عُسفانَ تَرجُفُ

كَأَنَّ دِياراً بَينَ أَسنِمَةِ النَقا

وَبَينَ هَذاليلِ النَحيزَةِ مُصحَفُ

فَلَستُ بِناسٍ ما تَغَنَّت حَمامَةٌ

وَلا ما ثَوى بَينَ الجَناحَينِ زَفزَفُ

دِياراً مِنَ الحَيِّ الَّذينَ نُحِبُّهُم

زَمانَ القِرى وَالصارِخُ المُتَلَهِّفُ.

اقرأ أيضا: خواطر عن الغزل

أجمل أبيات شعر غزل

  • يقول قيس بن الملوح:

أَمُرُّ عَلى الدِيارِ دِيارِ لَيلى

أُقَبِّلَ ذا الجِدارَ وَذا الجِدارا

وَما حُبُّ الدِيارِ شَغَفنَ قَلبي

وَلَكِن حُبُّ مَن سَكَنَ الدِيارا.

  • يقول ابن الفارض:

زِدْني بفَرْطِ الحُبّ فيك تَحَيّرا

وارْحَمْ حشىً بلَظَى هواكَ تسعّرا

وإذا سألُتكَ أن أراكَ حقيقةً

فاسمَحْ ولا تجعلْ جوابي لن تَرى

يا قلبُ أنتَ وعدَتني في حُبّهمْ

صَبراً فحاذرْ أن تَضِيقَ وتَضجرا

إنَّ الغرامَ هوَ الحياةُ فمُتْ بِهِ

صَبّاً فحقّك أن تَموتَ وتُعذرا.

  • يقول عبدالغني النّابلسي:

لم أزل في الحبّ يا أملي

أخلط التّوحيد بالغزل

وعيوني فيك ساهرة

دمعها كالصّيب الهطل

ليت لي من نور طلعتكم

لمحة كي تنطفي غللي

إنّ أحشائي بكم تلفت بل

وجسمي في الغرام بلى

واصطباري يوم جفوتكم

زال والتّهيام لم يزل

وريح المسك في الصّندوق يفشو

ويعرف منه قدر الانتشاق

وهل نور النّجوم يلوح إلّا

على مقدار إدراك المآقي

هو الحقّ المبين وكلّ شيء

سواه باطل بالاتّفاق.

  • يقول صريع الغواني:

أُجرِرتُ حَبلَ خَليعٍ في الصِّبا غَزِلِ

وَشَمَّرَت هِمَمُ العُذّالِ في العَذَلِ

هاجَ البُكاءُ عَلى العَينِ الطَّموحِ هَوَىً

مُفَرَّقٌ بَينَ تَوديعٍ وَمُحتَمَلِ

كَيفَ السُلُوُّ لِقَلبٍ راحَ مُختَبَلاً

يَهذي بِصاحِبِ قَلبٍ غَيرَ مُختَبَلِ

عاصى العَزاءَ غَداةَ البَينِ مُنهَمِلٌ

مِنَ الدُّموعِ جَرى في إِثرِ مُنهَمِلِ

لَولا مُداراةُ دَمعِ العَينِ لَاِنكَشَفَت

مِنّي سَرائِرُ لَم تَظهَر وَلَم تُخَلِ

أَما كَفى البَينُ أَن أُرمى بِأَسهُمِهِ

حَتّى رَماني بِلَحظِ الأَعيُنِ النُّجُلِ

مِمّا جَنى لي وَإِن كانَت مُنىً

صَدَقَت صَبابَةً خُلَسُ التَسليمِ بِالمُقَلِ

ماذا عَلى الدَّهرِ لَو لانَت عَريكَتُهُ

وَرَدَّ في الرَّأسِ مِنّي سَكرَةَ الغَزَلِ

جُرمُ الحَوادِثِ عِندي أَنَّها اِختَلَسَت

مِنّي بَناتِ غِذاءِ الكَرمِ وَالكِلَلِ

وَرُبَّ يَومٍ مِنَ اللَذّاتِ مُحتَضَرٍ

قَصَّرتُهُ بِلِقاءِ الرّاحِ وَالخُلَلِ

وَلَيلَةٍ خُلِسَت لِلعَينِ مِن سِنَةٍ

هَتَكتُ فيها الصِّبا عَن بَيضَةِ الحَجَلِ

قَد كانَ دَهري وَما بي اليَومَ مِن كِبَرٍ

شُربَ المُدامِ وَعَزفَ القَينَةِ العُطُلِ

إِذا شَكَوتُ إِلَيها الحُبَّ خَفَّرَها

شَكوايَ فَاِحمَرَّ خَدّاها مِنَ الخَجَلِ

كَم قَد قَطَعتُ وَعَينُ الدَهرِ راقِدَةٌ

أَيّامَهُ بِالصِبا في اللَّهوِ وَالجَذَلِ

وَطَيِّبِ الفَرعِ أَصفاني مَوَدَّتَهُ

كافَأتُهُ بِمَديحٍ فيهِ مُنتَخَلِ

وَبَلدَةٍ لِمَطايا الرَكبِ مُنضِيَةٍ

أَنضَيتُها بِوَجيفِ الأَينُقِ الذُّلُلِ

فيمَ المُقامُ وَهَذا النَجمُ مُعتَرِضاً

دَنا النَّجاءُ وَحانَ السَّيرُ فَاِرتَحِلِ.

اقرأ أيضا: شعر عربي عن الهيام

المصادر:
مصدر 1
مصدر 2
مصدر 3
مصدر 4
مصدر 5

You may also like

Leave a Comment