شعر عربي عن الهزيمة
المراد بكلمة الهزيمة في اللغة: كسر وشقق وحطم، وأصل (الهزم) كسر الشيء، بينما تُعرّف الهزيمة اصطلاحًا بأنها انكسار يعتري الخصم، سببه قتل أو أسر أو ضرر نفسي وقع من الطرف الآخر، وقد نظم الشعراء عدة قصائد شعر عربي عن الهزيمة.
شعر عربي عن الهزيمة
يقول الشاعر المصري الكبير أمل دنقل في قصيدة بكائية الليل والظهيرة التي تُعد واحدة من أهم قصائد شعر عربي عن الهزيمة :
في كل ليلٍ..
تخلعُ الذكرى ملابسها المغبرة القديمة،
تستحم برشاشات الضوء، تغسل فيه وعثاء الطريق.
وتستردُ نضارة الألوان.. والمرح القديم
نديانةً.. كالظلِّ، تخلع خُفَّها المبلول،
تستلقي جواري في الظلام، تضئ بشرتُها:
برائحة التوغل في الحقول.
برعشة القمر المؤرجح في مرايا النيل..
بالقطرات تلمع في منابت شعرها المحلول..
بالنبض الخجول.. يرف في استدفائها..
باللثغةِ الغنَّاء في الصوت الرخيم
.. وذراعها يلتف يرتعشُ التوهج تحت لمستِه
وتُقلع آخرُ السفن المقدسة المضيئة من مرافئها،
تشقُّ النهر، تنثر ما تبقى من رمادي:
فوق أذرعة الخريف البائسات.. فتكتسي،
فوقَ المروج.. فتنطوي في الليل موسيقى الجنادب،
في الحظائر.. يهدأُ المهرُ الحرونُ،
على مناقير الطيور.. فتطعم الأفراخ من توت الغناء الحلو
في عقم السماء.. فتنبض البشري، وتنعقد الغيوم.
* * *
يا دقة الساعات
هل فاتنا.. ما فات؟
ونحن ما زلنا..
أشباحَ أمنيَّات
في مجلس الأموات!؟
* * *
فاض النهارُ بنا، فمزق عن تصوفنا معاطفنا،
وألقانا على أعتاب مملكة النميمة، والذباب يطنُّ،
والكلماتُ: أقداحٌ مكسَّرةُ الحواف..
إذا لثمناها.. تجرَّحت الرؤى!
والصمت: قضبان محمَّاة على وهج البكاء
(فاض الإناء، وعاملُ البرق الصغيرُ يدقُّ بابَ البيت،
” آهٍ ” وتسقط الشمسُ الصغيرةُ عن رداء النومِ
تبكي المرأةُ الأفعى على كتف العشيق،
وتستزيد من البكائيات، تلقم صدرَها العاري يديه..
– لعله يبني بها بعد الحداد! –
تدير عينيها اللتين تندَّتا.. فأذابتا بقع الطلاء؟)
* * *
كان الطريق يديرُ لحنَ الموتِ – كان جهنميَّ الصوت –
فوق شرائط التسجيل..
في أسلاكِ هاتِفِهِ المحنَّك..
في صرير الباب من صدأ الغوايةِ..
في أزيز مراوح الصيف الكبيرةِ..
في هدير محرِّكات ”الحافلات“.
وفي شجار النسوة السوقيِّ في الشرفاتِ..
في سأمِ المصاعد..
في صدى أجراس إطفائيةٍ تعدو.. مصلصلة النَّداء.
(كوني إذن ما شئتِ:
ساقطةً تدور على مواخير الموانئ،
وجه راهبةٍ تضاجع صورة العذراءِ،
أمًّا تأكل الأطفالَ،
كوني أيَّ شيءٍ – فيه نغمس خبزَنا الحجريَّ – ملتهب الدماء!)
* * *
ندم الغبار يلح فوق وجوهنا،
ونلوذ بالجدران نحفر فوقها أسماءنا.. لكنها تتفتت!
الجدران وهمٌ
والرجالُ الملصقون على مساحة صفحة الإعلان،
والصور الثمينة في المعارض، والنقوش على المعابد،
والوسام العسكري لأنبل الشهداء،
والزهو الذي يندسُّ في رحم النساء.
(تلك المرارة:
سممت جلساتِ شاي العصر..
سممت انتعاشتنا بسلع الماء في حمامنا الصيفي –
سممت البراءة في تساؤل طفلنا من أين جاء!)
* * *
يا آخر الدَّقات
قولي لنا.. من مات
كي نحتسي دَمَهُ
ونختم السهرات
بلحمه نقتات!
* * *
ماذا تخبئ في حقيبتك العتيقة.. أيها الوجهُ الصفيق
أشهادةُ الميلادِ؟
أم صكّ الوفاة؟
أم التميمة تطرد الأشباحَ في البيت العتيق؟
ماذا تخبئُ أيُّها الوجهُ الصفيق؟!
ماذا تخبئُ أيُّهَا الوجهُ الصفيق؟!
اقرأ أيضا: شعر عربي عن القتال
أبيات شعر عربي عن الهزيمة
يقول المتنبي في إحدى قصائده عن هزيمة الأعداء:
تَمُرُّ بِكَ الأَبطالُ كَلمى هَزيمَةً
وَوَجهُكَ وَضّاحٌ وَثَغرُكَ باسِمُ
تَجاوَزتَ مِقدارَ الشَجاعَةِ وَالنُهى
إِلى قَولِ قَومٍ أَنتَ بِالغَيبِ عالِمُ
ضَمَمتَ جَناحَيهِم عَلى القَلبِ ضَمَّةً
تَموتُ الخَوافي تَحتَها وَالقَوادِمُ
بِضَربٍ أَتى الهاماتِ وَالنَصرُ غائِبُ
وَصارَ إِلى اللَبّاتِ وَالنَصرُ قادِمُ
حَقَرتَ الرُدَينِيّاتِ حَتّى طَرَحتَها
وَحَتّى كَأَنَّ السَيفَ لِلرُمحِ شاتِمُ
وَمَن طَلَبَ الفَتحَ الجَليلَ فَإِنَّما
مَفاتيحُهُ البيضُ الخِفافُ الصَوارِمُ
نَثَرتَهُمُ فَوقَ الأُحَيدِبِ كُلِّهِ
كَما نُثِرَت فَوقَ العَروسِ الدَراهِمُ
تَدوسُ بِكَ الخَيلُ الوُكورَ عَلى الذُرى
وَقَد كَثُرَت حَولَ الوُكورِ المَطاعِمُ
تَظُنُّ فِراخُ الفُتخِ أَنَّكَ زُرتَها
بِأُمّاتِها وَهيَ العِتاقُ الصَلادِمُ
إِذا زَلِفَت مَشَّيتَها بِبِطونِها
كَما تَتَمَشّى في الصَعيدِ الأَراقِمُ
أَفي كُلِّ يَومٍ ذا الدُمُستُقُ مُقدِمٌ
قَفاهُ عَلى الإِقدامِ لِلوَجهِ لائِمُ
أَيُنكِرُ ريحَ اللَيثَ حَتّى يَذوقَهُ
وَقَد عَرَفَت ريحَ اللُيوثِ البَهائِمُ
وَقَد فَجَعَتهُ بِاِبنِهِ وَاِبنِ صِهرِهِ
وَبِالصِهرِ حَملاتُ الأَميرِ الغَواشِمُ
مَضى يَشكُرُ الأَصحابَ في فَوتِهِ الظُبى
بِما شَغَلَتها هامُهُم وَالمَعاصِمُ
وَيَفهَمُ صَوتَ المَشرَفِيَّةِ فيهِمِ
عَلى أَنَّ أَصواتَ السُيوفِ أَعاجِمُ
يُسَرُّ بِما أَعطاكَ لا عَن جَهالَةٍ
وَلَكِنَّ مَغنوماً نَجا مِنكَ غانِمُ
وَلَستَ مَليكاً هازِماً لِنَظيرِهِ
وَلَكِنَّكَ التَوحيدُ لِلشِركِ هازِمُ
تَشَرَّفُ عَدنانٌ بِهِ لا رَبيعَةٌ
وَتَفتَخِرُ الدُنيا بِهِ لا العَواصِمُ
لَكَ الحَمدُ في الدُرِّ الَّذي لِيَ لَفظُهُ
فَإِنَّكَ مُعطيهِ وَإِنِّيَ ناظِمُ
وَإِنّي لَتَعدو بي عَطاياكَ في الوَغى
فَلا أَنا مَذمومٌ وَلا أَنتَ نادِمُ
عَلى كُلِّ طَيّارٍ إِلَيها بِرِجلِهِ
إِذا وَقَعَت في مِسمَعَيهِ الغَماغِمُ
أَلا أَيُّها السَيفُ الَّذي لَيسَ مُغمَداً
وَلا فيهِ مُرتابٌ وَلا مِنهُ عاصِمُ
هَنيئاً لِضَربِ الهامِ وَالمَجدِ وَالعُلى
وَراجيكَ وَالإِسلامِ أَنَّكَ سالِمُ
وَلِم لا يَقي الرَحمَنُ حَدَّيكَ ما وَقى
وَتَفليقُهُ هامَ العِدا بِكَ دائِمُ.
ومن أصدق أبيات شعر عن الهزيمة ما قاله عبد يغوث الحارثي قبل موته:
أَلاَ لا تَلُومَانِي كَفى اللَّوْمَ ما بِيَـا
وما لَكُما في اللَّوْم خَيْـرٌ ولا لِيَـا
أَلَمْ تَعْلَمَا أَنَّ المَلاَمَةَ نَفْعُها
قليـلٌ وما لَوْمِي أَخِي مِن شِمَالِيَـا
فَيَا راكِباً إِمَّا عَرَضْـتَ فَبَلِّغَـنْ
نَدامَايَ مِن نَجْـرَانَ أَنْ لا تَلاَقِيَـا
أَبَا كَـرِبٍ والأَْيْهَمَيْـنِ كِلَيْهِمَـا
وقَيْساً بِأَعْلَي حَضْرَمَوْتَ اليمَانِيَـا
جَزَى اللهُ قَوْمِي بالكُلاَبِ مَلاَمَـةً
صَرِيحَهُـمُ والآخَرِيـنَ المَوَالـيَـا
ولو شِئْتُ نَجَّتْنِي مِن الْخَيْلِ نَهْدَةٌ
تَرَى خَلْفَها الحُـوَّ الْجِيَـادَ تَوَالِيَـا
ولكِنَّنِـي أَحْمِـي ذِمـارَ أَبِيكُـمُ
وكانَ الرِّماحُ يَخْتَطِفْـنَ المُحَامِيَـا
أَحَقًّا عِبَادَ اللهِ أَنْ لَسْـتُ سامِعـاً
نَشِيدَ الرُّعَـاءِ المُعْزِبيـنَ المَتَاليَـا.
ومن أبيات شعر عن الهزيمة في الحب قول تميم البرغوثي:
كَم أَظهَرَ العِشقُ مِن سِرٍّ وَ كَم كَتَمَا
وَ كَم أَمَاتَ وَ أَحيَا قَبلَنَا أُمَمَا
قَالَتَ غَلَبْتُكَ يَا هَذَا فَقُلتُ لَهَا
لَم تَغلِبِينِي وَ لَكِن زِدْتِنِي كَرَمَا
بَعضُ المَعَارِكِ فِي خُسرَانِهَا شَرَفٌ
مَن عَادَ مُنتَصِرًا مِن مِثلِهَا اِنهَزَمَا.
اقرأ أيضا: شعر عربي عن الخذلان