صفة الصلاة في المذاهب الأربعة
إنّ للصلاة مكانةً عظيمةً في الإسلام؛ فهي من أركانه الخمسة، بل هي الركن الثاني بعد الشهادتين، والصلوات الخمس واجبةٌ على كلّ مسلمٍ ومسلمةٍ في كلّ أحوالهم؛ في السفر أو الإقامة، في الأمن أو الخوف، في المرض أو الصّحة، ويجب على المسلم أن يتعرف على صفة الصلاة في المذاهب الأربعة لكي يتعلم أدائها بشكل صحيح.
صفة الصلاة في المذاهب الأربعة
أجمع الفقهاء على أن صفة الصلاة في المذاهب الأربعة لا بُدّ أن تكون موافقةً لصفة صلاة النبيّ؛ لأنّ المسلم مأمورٌ بالصلاة كما صلّى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-.
كان -عليه الصلاة السّلام- إذا أراد الصلاة تطهّر، وستر العورة، واستقبل القبلة، واستحضر قلبه مخلصاً لله بخشوعٍ، ثمّ كان يكبّر رافعاً يديه بمحاذاة منكبيه، ثمّ يشرع في قراءة الفاتحة في كلّ ركعةٍ، وما تيسّر من القرآن في الركعتين الأوليين من الصلاة.
ثمّ يكبّر رافعاً يديه بمحاذاة منكبيه، ويركع مطمئناً في ركوعه فينحني بالقدر الذي تلامس فيه يداه ركبتيه، ويعظّم الله -سبحانه- في ركوعه، بقول: “سبحان ربّي العظيم”، ثمّ يرفع من الركوع ويطمئن قائلاً: “سمع الله لمن حمده، ربّنا ولك الحمد”، ويكبّر ثمّ يهوي إلى الأرض ساجداً، قائلاً في سجوده: “سبحان ربّي الأعلى”، ثمّ يكبّر ويرفع رأسه من السجود حتّى يستوي جالساً، مفترشاً رجله اليسرى، وناصباً اليمنى، جاعلاً أصابعها باتجاه القبلة، ويقول: “رب اغفر لي، رب اغفر لي”، ثمّ يكبّر ويسجد السجدة الثانية كالأولى.
بعد ذلك يكبر ويستوي جالساً على رجله اليسرى، ثمّ يقوم للركعة الثانية معتمداً بيديه على الأرض، ويفعل مثل فعله في الركعة الأولى، ثمّ يجلس للتشهّد الأول، ويقرأ التشهّد متبوعاً بالصلاة على النبيّ إن كانت الصلاة ثنائيّةً.
وأمّا إن كانت الصلاة ثلاثيّةً أو رباعيّةً؛ فيقرأ المصلّي في الركعة الثانية بعد الرفع من السجدة الثانية التشهّد وحده دون الصلاة على النبيّ، وفي الركعة الأخيرة يقرأ التشهّد والصّلاة على النبيّ، ويسلّم عن يمينه ثمّ عن شماله، ويفعل في الركعتين؛ الثالثة والرابعة، ما فعل بما قبلهما، ويقرأ فيهما سورة الفاتحة فقط، ويكون جلوسه الأخير بنصب الرجل اليمنى وفرش الرجل اليسرى، جاعلاً مقعدته على الأرض.
اقرأ أيضا: أحاديث عن فضل الصلاة
أركان الصلاة
بيّن فقهاء المذاهب الأربعة أركان الصلاة، واتّفقوا بالمجمل على أركانها، وتعدّدت آرائهم في بعض تفاصيلها، وبيانها فيما يأتي:
- النيّة: وهي ركنٌ من أركان الصلاة عند الشافعيّة وبعض المالكيّة، وشرطٌ من شروطها عند الحنفيّة والحنابلة والراجح في مذهب المالكيّة، وتجب مع بداية الصلاة، والغاية من وجوب النيّة في الصلاة؛ تمييز العبادات عن العادات، وتحقيق تمام الإخلاص لله -تعالى-.
- تكبيرة الإحرام: فمن الأركان التكبير قائماً؛ أي أن يقول المصلّي: “الله أكبر”، وهو قائمٌ إن كان قادراً على القيام؛ لأنّ القيام ركنٌ، ويقولها بالعربيّة، وهي ركنٌ لا تصحّ الصلاة دونه، وإن عُجز عن النطق بالتكبير، كمن كان أخرساً فإنّه يسقط عنه.
- القيام: حيث يجب على المسلم أداء الصلاة قائماً في حال كان قادراً على القيام.
- القراءة: وقراءة الفاتحة ركنٌ في الصلاة عند جمهور الفقهاء في كلّ ركعةٍ، ولم يقيّد الحنفية القراءة بالفاتحة، وقالوا بقراءة آية من القرآن، استدلالاً بقول الله -تعالى-: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ).
- الركوع والطمأنينة فيه: ويقتضي الركوع أن ينحني المصلّي بظهره ورأسه حتّى تبلغ يداه رُكبتيه، ودليل ركنيّته قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا)، مطمئنّاً قدر تسبيحةٍ.
- الرفع من الركوع والاعتدال قائماً مطمئناً: وهو ركنٌ عند جمهور الفقهاء وأبي يوسف من الحنفيّة، وواجبٌ عند أبي حنفية ومحمد.
- السجود والطمأنينة فيه: فالسجود مرّتين لكلّ ركعةٍ، والرفع بعد كلّ واحدٍ منهما ركنٌ في الصّلاة، وأكمل السجود ما كان على سبعة أعضاءٍ ملامسةٍ للأرض، وهي؛ الجبهة، والأنف، واليدان، والركبتان، وأطراف القدمين.
- الجلوس بين السجدتين والطمأنينة فيه: وهو ركنٌ عند جمهور الفقهاء، وواجبٌ عند الحنفية.
- الجلوس الأخير والتشهّد: وذلك بقول المصلي في الركعة الأخيرة من صلاته: (التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، والصَّلَوَاتُ، والطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أيُّها النبيُّ ورَحْمَةُ اللَّهِ وبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وعلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسولُهُ) وأضاف الشافعية والحنابلة قول المصلّي باعتباره ركناً: (اللَّهُمَّ صَلِّ علَى مُحَمَّدٍ، وعلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كما صَلَّيْتَ علَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ علَى مُحَمَّدٍ وعلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كما بَارَكْتَ علَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ)، واكتفى المالكية بركن الجلوس للسلام.
- السّلام: والتسليمة الأولى ركنٌ عند المالكيّة والشافعيّة، وأمّا عند الحنابلة فالتسليمتان ركنٌ في الصلوات المفروضة، وهي آخر ما يختم به المصلّي صلاته، واعتبر الحنفية التسليمتان واجبتان.
- الطمأنينة: وقد اعتبرها الشافعية، والمالكية، والحنابلة؛ ركنٌ، واعتبرها الحنفية واجبٌ، ويُراد بها السكون بين حركات وأفعال الصلاة.
- الترتيب: فأداء أركان الصلاة مرتّبةً كما أدّاها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ركنٌ عند الجمهور، وعدم أدائها بالترتيب مدعاةٌ لبطلان الصلاة، ولو كان عدم الترتيب سهواً عن غير قصدٍ بإجماع الفقهاء، أمّا الحنفية فقالوا بأنّ الترتيب واجباً في الأفعال المكرّرة في كلّ ركعةٍ؛ كالقراءة، وفرضٌ في الأفعال غير المكرّرة في كلّ ركعةٍ.
اقرأ أيضا: كيف يحقق المسلم الانقياد لله بأداء الصلاة