كان القرآن الكريم في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- متواتراً في الصدور، ومكتوباً في السطور، بينما كانت آيات وسور القرآن المكتوبة مُفرّقة في خلافة أبي بكر الصدّيق؛ فقرر جمعها في مصحفٍ واحدٍ، وفي عهد عثمان -رضي الله عنه- تمت كتابة المصحف الشريف ونسخه، ويسأل الكثير من المسلمين من هو الصحابي الذي تم تكليفه بتتبع القرآن وجمعه.
الصحابي الذي تم تكليفه بتتبع القرآن وجمعه
الصحابي الذي تم تكليفه بتتبع القرآن وجمعه هو الصحابي الجليل زيد بن ثابت؛ لأنّه كان من كُتاب الوحي في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وذلك بتوجيه من أبي بكر الصديق خليفة رسول الله.
اقرأ أيضا: من هو أول من جمع القرآن الكريم
زيد بن ثابت
هو زيد بن ثابت بن الضّحاك بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار بن ثعلبة، توفي والده يوم بُعاث، فقدم إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد كان يتيمًا فأسلم بين يديه، ولم يتجاوز من العمر بعد أحدَ عشرَ عامًا، وقد دعا له النبي -عليه الصلاة والسلام- فكان من خيار الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.
أحبَّ زيد بن ثابت الجهاد في سبيل الله وعرض نفسه مجاهدًا يوم غزوة بدر ولكنَّه -عليه الصلاة والسلام- ردَّه لصغر سنّه، ومن ثم أعاد الكرَّة في غزوة أحد وهو يرجو أن يقبله النبي في صفوف المجاهدين، ولكن من رحمة النبي به لم يقبل، ووعده مع أترابه من الصحابة الصغار أن يُشاركوا في الغزوة المقبلة، وكانت بداية حياة زيد بن ثابت الجهادية في غزوة الخندق وقد كان ذلك في السنة الخامسة من الهجرة.
اقرأ أيضا: من هو صاحب أطول فترة خلافة بين الخلفاء الراشدين
حياة زيد بن ثابت
بدأت حياة زيد بن ثابت بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد فتح عينيه على الإسلام وحفظ القرآن في صباه وتفقّه في الدِّين، وطلب العلم وعلَّمه وعكف على تعليم الشَّباب في كبره ليحملوا عنه الرسالة في الفتيا في الدين.
اشتُهر زيد بن ثابت بذكائه واستثماره لذلك الذكاء في طلب العلم والتفقه في الدين ولم يكن ذلك ليمنعه من الجهاد في سبيل الله؛ فقد شارك في غزوة الخندق وكان عمره أربعة عشر عامًا، وقد ضبط الفقه وعلم المواريث إلى جانب القرآن وقد قال فيه الزهري رحمه الله: “لَوْلاَ أَنَّ زَيْدَ بنَ ثَابِتٍ كَتَبَ الفَرَائِضَ، لَرَأَيْتُ أَنَّهَا سَتَذْهَبُ مِنَ النَّاسِ”.
وكان لزيد بن ثابت موقف طيب يوم حاصر الخوارج عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال له: “هَذِهِ الأَنْصَارُ بِالْبَابِ، يَقُولُونَ: إِنْ شِئْتَ كُنَّا أَنْصَارًا للهِ مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ عُثْمَانُ: أَمَّا الْقِتَالُ فَلاَ”، واشتُهر بابتعاده عن الفتن فلم يتلطَّخ سيفه بدم أيٍّ من المسلمين.
وقد كان موضع ثقة من الصحابة فكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يستخلفه على المدينة عند خروجه إلى الحج، وقد وُليَّ على قسمة الغنائم عقب معركة اليرموك، وقد تعلَّم الخطَّ اليهودي بأمرٍ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليقرأ له كتبهم فكانت حياته حافلةً بخدمة الإسلام والمسلمين.
اقرأ أيضا: الصحابي الجليل الذي أشار إلى النبي بحفر الخندق
علم وفضل زيد بن ثابت
إنَّ علم زيد بن ثابت وفضله هو من أكثر ما اشتُهر به، خاصَّةً أنَّه أتقن لغة اليهود في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، فقد ورد عنه في تخريج المسند: “قال لي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: تُحسِنُ السُّرْيانيَّةَ؟ إنَّها تَأْتيني كُتُبٌ، قال: قُلْتُ: لا، قال: فتَعلَّمْها، فتَعلَّمْتُها في سَبعةَ عَشَرَ يومًا”. (( الراوي : زيد بن ثابت | المحدث : الوادعي | المصدر : الصحيح المسند، الصفحة أو الرقم: 357 | خلاصة حكم المحدث : صحيح ))
وقد جمع القرآن في زمن أبي بكرٍ الصديق -رضي الله عنه-، وقال زيد عند تكليفه بمهمة جمع القرآن في زمن أبي بكر: “فَوَاللهِ لَوْ كَلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ”، ولما كان عهد عثمان وأراد جمع الناس على مصحف واحدٍ ليقطع اختلاف النَّاس في القراءة كان واحدًا من اللجنة التي انتُدبت لذلك.
وقد قال فيه مسروق: “قدمت المدينة فوجدت زيد بن ثابت من الراسخين في العلم”، وقد قال فيه سليمان بن يسار: “مَا كَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ يُقَدِّمَانِ عَلَى زَيْدٍ أَحَدًا فِي الفَرَائِضِ وَالفَتْوَى وَالقِرَاءةِ وَالقَضَاءِ”، فكان أحد كبار الصحابة الذين يُوقف عندهم في الفتوى، وفي ذلك تبيينٌ لفضل قامةٍ من قامات الإسلام العظيمة.
اقرأ أيضا: من صفات عبدالله بن عمرو
وفاة زيد بن ثابت
اختُلف في سنة وفاة زيد بن ثابت فقال أبو عبيدة إنَّه توفي سنة خمسٍ وأربعين، ثم قال بعد ذلك: بل سنة ستٍّ وخمسين أثبت، وعقَّب أحمد بن حنبل أنَّه توفي سنة إحدى وخمسين وقال المدائني والهيثم ويحيى بن معين: سنة خمس وخمسين وقال أبو الزناد: سنة خمس وأربعين، وقد قال أبو هريرة في موته: “مات حَبر الأمة، ولعلّ الله أن يجعل في ابن عباس منه خلفًا”.
اقرأ أيضا: توفي عمر بن أبي سلمة المخزومي سنة