حكم العدل لمن تولى مسؤولية كالأب، والمعلم، والحاكم

هناك أسس وضعها الإسلام لإحكام التعامل بين الناس وضبطه وضمان حصول كل فرد أو فئة على حقهم كاملا دون انتقاص من أحد الأطراف، ومن هذا المنظور انطلق مفهوم العدالة في الإسلام، فالعدالة ليست محصورة في موضوع معين، وإنما تتطرق إلى أبواب عديدة وكثيرة، لذلك يجب على كل مسلم معرفة حكم العدل لمن تولى مسؤولية كالأب، والمعلم، والحاكم.

حكم العدل لمن تولى مسؤولية كالأب، والمعلم، والحاكم

حكم العدل لمن تولى مسؤولية كالأب، والمعلم، والحاكم

إن حكم العدل لمن تولى مسؤولية كالأب، والمعلم، والحاكم هو واجب شرعي، فقد بعث الله دين الإسلام ممثلًا بسيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- ليكمّل مكارم الأخلاق، فحث دائمًا على الالتزام بالمعايير الإنسانية والأخلاق الكريمة، فجعل العدل أمرًا واجبًا على كل المسلمين بشكل عام وعلى كل ذي مسؤولية كالأب والمعلم والحاكم بشكل خاص، وأمرنا الله تعالى بإعطاء كل ذي حقٍ حقه، سواء أكان الحق لنفس الإنسان أو لغيره من المسلمين أو غير المسلمين فهو أمر وواجب.

وقد ورد عن سلمان رضي الله عنه عندما ذهب لزيارة أبي الدرداء فوجده منهكًا لنفسه من العبادة والصيام فقال له : “إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فأعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فأتَى النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَذَكَرَ ذلكَ له، فقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: صَدَقَ سَلْمانُ”.

كما ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حكم العدل بين الأولاد، فعن النعمان بن بشير قال : “تَصَدَّقَ عَلَيَّ أَبِي ببَعْضِ مَالِهِ، فَقالَتْ أُمِّي عَمْرَةُ بنْتُ رَوَاحَةَ: لا أَرْضَى حتَّى تُشْهِدَ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَانْطَلَقَ أَبِي إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ لِيُشْهِدَهُ علَى صَدَقَتِي، فَقالَ له رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: أَفَعَلْتَ هذا بوَلَدِكَ كُلِّهِمْ؟ قالَ: لَا، قالَ: اتَّقُوا اللَّهَ، وَاعْدِلُوا في أَوْلَادِكُمْ، فَرَجَعَ أَبِي، فَرَدَّ تِلكَ الصَّدَقَةَ”. [1]

ففي الحديث أمر واضح من رسولنا الكريم بوجوب العدل بين الأولاد، وإن في أداء العدل نيل لرضا الله ومحبته ومغفرته، فقد قال تعالى في كتابه الكريم: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، والله أعلم.

اقرأ أيضا: ما هو مفهوم العدل

العدل في الإسلام

العدل في الإسلام

من كرم الله عز وجل أن نظم للناس تعاملاتهم وعلاقاتهم فيما بينهم، وتمم لهم الفضائل والأخلاق والأحكام الناظمة لكل شؤون حياتهم، والضامنة لتساوي حقوقهم وتمام واجباتهم ومستحقاتهم، فجعل العدل ميزانًا يلزم الجميع بقضاء ما عليهم واستحقاق ما لهم دون تعد ولا إفراط أو تفريط.

وقد رفع الله شأن العدل وسماه في أسمائه وميزه في صفاته، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) قال سعيد عن قتادة قوله: “إن الله يأمر بالعدل والإحسان) ليس من خلق حسن كان أهل الجاهلية يعملون به ويستحسنونه إلا أمر الله به، وليس من خلق سيء كانوا يتعايرونه بينهم إلا نهى الله عنه وقدم فيه، وإنما نهى عن سفاسف الأخلاق ومذامها”.

وفي الآية يأمر الله تعالى عباده بالعدل وهو القسط والموازنة، وينهى عن البغي وهو العدوان على الناس. ومقصود التشريع إقامة العدل بين الناس.

اقرأ أيضا: أحاديث عن نصرة المظلوم

سمات العدل في الإسلام

 العدل

من سمات العدل في الإسلام أنه لا عاطفة فيه؛ فلا يتأثر بمال أو عرق أو نسب، وفي التاريخ الإسلامي أمثلة تبرهن صدق الصفة وشمولها؛ ومن ذلك حادثة المرأة المخزومية التي سرقت في عهد رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، فقد ثبت في صحيح البخاري:

“إنَّ امْرَأَةً سَرَقَتْ في عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في غَزْوَةِ الفَتْحِ، فَفَزِعَ قَوْمُها إلى أُسامَةَ بنِ زَيْدٍ يَسْتَشْفِعُونَهُ، قالَ عُرْوَةُ: فَلَمَّا كَلَّمَهُ أُسامَةُ فيها، تَلَوَّنَ وجْهُ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: أتُكَلِّمُنِي في حَدٍّ مِن حُدُودِ اللَّهِ؟! قالَ أُسامَةُ: اسْتَغْفِرْ لي يا رَسولَ اللَّهِ، فَلَمَّا كانَ العَشِيُّ قامَ رَسولُ اللَّهِ خَطِيبًا، فأثْنَى علَى اللَّهِ بما هو أهْلُهُ، ثُمَّ قالَ: أمَّا بَعْدُ؛ فإنَّما أهْلَكَ النَّاسَ قَبْلَكُمْ: أنَّهُمْ كانُوا إذا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أقامُوا عليه الحَدَّ، والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لو أنَّ فاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ، لَقَطَعْتُ يَدَها. ثُمَّ أمَرَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بتِلْكَ المَرْأَةِ، فَقُطِعَتْ يَدُها، فَحَسُنَتْ تَوْبَتُها بَعْدَ ذلكَ وتَزَوَّجَتْ. قالَتْ عائِشَةُ: فَكانَتْ تَأْتي بَعْدَ ذلكَ فأرْفَعُ حاجَتَها إلى رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ”. [2]

ومن سمات العدل أنه يرفع صاحبه عند الله ويمنحه منزلة عظيمة وشرفا ربانيا قرنه الله بذاته، وفي الحديث الشريف: “إنَّ المُقسِطينَ عند اللِه على منابرَ من نورٍ عن يمينِ الرَّحمنِ عَزَّ وجَلَّ، وكِلتَا يديهِ يمينٌ، الذين يَعدِلونَ في حُكمهِم وأهليهِم وما وُلّوا”. [3]

فالعادلون في حكمهم وخلافتهم في أهليهم وفيمن ولاهم الله عليهم مقربون عند الله تعالى ومكرمون لديه، يرفعهم بعدلهم على منابر من نور، وهي أماكن في الجنة مرتفعة غالية كرمها الله وخصها لفئة من عباده من بينهم أولئك الذين يتحرون العدل ويقيمونه في ولايتهم وما استخلفوا فيه.

اقرأ أيضا: أحاديث عن العدل

المصادر:
مصدر 1
مصدر 2
مصدر 3
مصدر 4

المراجع
  1. الراوي : النعمان بن بشير | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 1623 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] []
  2. الراوي : عروة بن الزبير | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 4304 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] []
  3. الراوي : عبد الله بن عمرو| المحدث : مسلم| المصدر : صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 1827| خلاصة حكم المحدث : [صحيح] []

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *