المقصود بجمع القرآن أي حِفظه في الصدور، وكتابته على أكمل وجهٍ، بسُوره، وآياته، وكلماته، وحروفه، فيكون جمعاً في السطور والمصاحف، وجمعاً آخر في الصدور والنفوس، ويجب على كل مسلم أن يعلم أن أول من جمع القرآن الكريم هو الصحابي الجليل خليفة رسول الله.
أول من جمع القرآن الكريم هو الصحابي الجليل
أول من جمع القرآن الكريم هو الصحابي الجليل أبو بكر الصدّيق -رضي الله عنه-؛ وهو عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيِّم بن مُرَّة بن كعب بن لؤي بن غالب، الذي يلتقي نسبه مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- عند مُرَّة بن كعب.
وقد كان يُسمَّى أيام الجاهلية “عبد الكعبة”، فسماه الرسول -صلى الله عليه وسلم- “عبد الله”، كما أنه لقَّبه بـ “عتيق”؛ وذلك يعود إلى حسن وجهه وعِتقه من النار، وأيضًا لقب بالصِّدِّيق؛ لمبادرته إلى تصديق الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا سيما بعد حادثة الإسراء والمعراج.
اقرأ أيضا: لماذا سمي أبو بكر بالصديق
جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق
كان السبب في جمع القرآن الكريم في زمن أبي بكر الصدّيق -رضي الله عنه- خوفُ الصحابة -رضي الله عنهم- من ضياع شيءٍ منه، خاصّةً بعد استشهاد كثيرٍ من حَفَظة القرآن، فكان الأفضل أن يُجمَع في موضعٍ واحدٍ؛ لِما في ذلك من أمانٍ، وحِفاظٍ عليه؛ خوفاً ممّا قد يحصل في المستقبل.
وكانت معركة اليمامة التي جرتْ أحداثها في السنة الثانية عشرة للهجرة قد استشهد فيها قريباً من سبعين صحابياً من كبار القرآء وحفّاظ القرآن الكريم، أمّا السبب الباعث للجمع في عهد عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- فقد تمثّل في جمع الناس على اللفظ الذي كُتِب به القرآن عند نزوله على النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، ومَنع القراءة بلفظٍ يُخالفه.
أمّا عمليّة الحفظ، فتتلخَّص في أنّ أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- بلّغ زيداً بن ثابت وعمرَ بن الخطّاب بأمر جمع القرآن الكريم، وكان المرجع الأساسيّ لهم ما كان يُكتَب من القرآن في وجود النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وما كان يُحفَظ في صدور الصحابة، فلم يقبلوا شيئاً إلّا بعد التأكُّد من حِفظه عن ظهر قلبٍ.
ولم يكن ذلك بالأمر الصعب عليهم؛ إذ كان أغلب الصحابة حافظين للقرآن الكريم، وإن كان أحدٌ من الصحابة كتبَ شيئاً من القرآن الكريم، طُلِب منه إحضار شاهدٍ على أنّ ذلك كُتِب أمام النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، أو سَمِعَه وأقرّه عليه، ولم يُقصَد بالشاهد التأكيد على صحّة القرآن؛ بل التثبُّت من أنّ ما في الورق كُتِب بين يدَي النبيّ -عليه أفضل الصلاة والتسليم-.
اقرأ أيضا: من هم الخلفاء الراشدين
لجنة جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق
تكوّنت لجنة جمع القرآن في عهد أبي بكر من عددٍ من الصحابة، وكُتّاب الوحي، على رأسهم زيد بن ثابت؛ لِما تحلّى به من الخصائص التي أهّلَته لتلك المهمّة؛ إذ إنّه شَهِد العَرضة الأخيرة للقرآن على النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، إضافةً إلى أنّه كان من كُتّاب الوحي زمن النبيّ -عليه الصلاة والسلام-.
وتجدر الإشارة إلى أنّ القرآن لم يكن يُسمّى في السابق بالمصحف إلّا بعد عملية الجمع التي أمر بها أبو بكر الصدّيق -رضي الله عنه-، وقد أُطلِق عليه هذا الاسم بعد انتهاء زيد بن ثابت من جَمعه.
اقرأ أيضا: أفضل آية في القرآن
الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان للقرآن الكريم
هنالك فرق بين الباعث لجمع القرآن الكريم، وفرق في كيفيّة جمعه إضافةً إلى الفرق في مصير المصحف في عهد أبي بكر وعهد عثمان بن عفان:
أولًا: الباعث على جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصّدّيق –رضي الله عنه- كان خشية ضياع شيء من القرآن الكريم بموت حفظته، وتلف أو ضياع شيء ممّا كتب عليه القرآن الكريم، أمّا الباعث على الجمع في عهد عثمان بن عفّان –رضي الله عنه- فهو ما وقع من خلافات بين المسلمين في وجوه قراءة القرآن الكريم وخوف الفتنة وشقّ الصّفّ بين المسلمين.
ثانيًا: كان عمل أبي بكر الصدّيق -رضي الله عنه- في جمعه للقرآن الكريم متوقفًا على جمع ما تفرّق من صحف القرآن الكريم، والتي هي عبارة عن العسب والأكتاف والرّقاع وغير ذلك في مصحف واحد مرتّبًا فيه الآيات والسّور، بينما في عهد عثمان -رضي الله عنه- جلب المصحف الذي جمع في عهد أبي بكر، وكان قد أودع في بيت حفصة بعد وفاة أبيها -رضي الله عنهما- ونسخه على حرف واحد، ليدرأ الخلاف بين المسلمين في وجوه القراءات، ثمّ نسخه نسخًا عديدة، وأرسل بها إلى الأمصار والأقطار، لتكون مرجعًا لهم، وأحرق ما سواها من صحف، بالاتّفاق مع الصّحابة الكرام.
ثالثًا: مصير المصاحف بعد ذلك: المصحف الذي جُمع في عهد أبي بكر، أعاده عثمان إلى حفصة -رضي الله عنهما- بعدما نسخه مئات النّسخ، وبعدما توفيت حفصة، قام أخوها بإتلاف المصحف، لأنه طلبه منه مروان من الحكم، فخوفًا من إثارة أمور خلافية حول الأحرف السّبعة والقراءات، فقام بإحراقه. وفي عهد عثمان نسخ المصحف المعتمد ملايين النّسخ، ولم يعرف بعد ذلك ماذا حلّ بتلك النّسخ.
ولابدّ من التأكيد على أنّ الأصل في الحفاظ على القرآن الكريم، هو حفظه في الصّدور، ونقله شفويًّا بالتّواتر، ولكن استخدمت الكتابة لزيادة التّوثيق، وما ذلك إلّا تحقيقًا لوعد الله -عزّ وجلّ- في حفظ القرآن الكريم من أيّ زيادة أونقصان، أوتحريف: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.
اقرأ أيضا: أحاديث عن قراءة القرآن