مع نزول القرآن الكريم ظهرت بعض المصطلحات الإسلاميّة التي لم تكن موجودةً قبل ظهور الإسلام، وهي مصطلحات خاصّة بالشرع الإسلامي ظهرت لتوضّح أحكام هذا الدّين العظيم أكثر أمام من يجدون صعوبة في فهم أحكامه، ومن هذه المصطلحات ما يتعلق بسؤال يسأله الكثير من الناس وهو: المسافر الذي نفذ ما معه يسمى ماذا؟
المسافر الذي نفذ ما معه يسمى
المسافر الذي نفذ ما معه يسمى بـ ابن السبيل كما كانت القبائل العربية قديمًا تُطلق على المسافر الذي ينفذ كل شيء معه بأسماء مختلفة مثل “الغارم” أو “في سبيل الله”.
ابن السبيل
إنَّ السبيل في اللغة هو الطريق، وابن السبيل هو الإنسان المسافر الذي مرَّ في بلد غير بلده وليس في حوزته شيء يكمل به شقاء رحلته وسفره، وسُمِّي بهذا الاسم نسبة إلى الطريق الذي لازمه هذا المسافر فجعله كأمِّهِ، فهو في الإسلام المسافر الذي انقطعت حيلته في السفر فلم يعد لديه نفقة يؤديها وتكفيه في سفره.
ويعدُّ أحد الأصناف التي حددها الإسلام ممن تحلُّ عليهم الزكاة في الإسلام، شريطة أن يكون ابن السبيل هذا مسافرًا ليس في حوزته ما يعينه على سفره، فمن كان يريد أن يسافر وهو لم يزل في بلده، فهذا لا تحقّ عليه الزكاة.
وقد قال الشيخ ابن عثيمين: “السبيل: الطريق، وابن السبيل أي: المسافر، وسمِّي بابن السبيل؛ لأنَّه ملازمٌ للطريق، والملازم للشيء قد يُضاف إليه بوصف البنوة، كما يقولون: ابن الماء، فعلى هذا يكون المراد بابن السبيل المسافر الملازم للسفر، والمراد المسافر الذي انقطع به السفر أيْ نَفَدَتْ نفقتُه، فليس معه ما يوصله إلى بلده”، وقال الإمام النوويّ أيضًا: “وسُمِّي المسافر ابن السبيل للزومه الطريق كلزوم الولد والدته، والله أعلم.
اقرأ أيضا: من هم الثمانية الذين يستحقون الزكاة ؟
ابن السبيل في القرآن الكريم والسنة النبوية
يعدُّ مصطح ابن السبيل مصطلحًا قرآنيًا، جاء ذكره في كتاب الله -عزَّ وجلَّ- فهو مرتبط بالزكاة ارتباطًا وثيقًا، فكانت آيات الزكاة في كتاب الله كثيرًا ما تحتوي على ذكره، ومن أبرز الآيات القرآنية التي جاء ذكر ابن السبيل فيها ما يأتي:
- قال تعالى في سورة البقرة: “يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ”.
- وقال تعالى في سورة التوبة: “إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ”.
- وقال تعالى في سورة النساء: “وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا”.
- وقال تعالى في سورة الحشر: “مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ”.
- وفي سورة الروم: “فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”.
ورد ذكر ابن السبيل في السنة النبوية في عدة أحاديث منها:
- نهى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ عن الأفنيةِ والصُّعُداتِ أن يُجْلَسَ فيها فقال المسلِمون لا نستطيعُه قال أمَّا لا ، فأعطوه حقَّها فقالوا : و ما حقُّها ؟ قال : غضُّ البصرِ ، و إرشادُ ابنِ السَّبيلِ ، و تَشميتُ العاطسِ إذا حمِدَ اللهَ و ردُّ التحيَّةِ. (( الراوي : أبو هريرة | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الأدب المفرد، الصفحة أو الرقم: 776 | خلاصة حكم المحدث : صحيح ))
- قالوا يا رسولَ اللهِ إنا كنا نعترُ عتيرةً في الجاهليةِ فما تأمرُنا قال اذبحُوا لله عزَّ وجلَّ في أيِّ شهرٍ ما كان وبَرُّوا اللهَ تبارك وتعالى وأطعِموا قالوا يا رسولَ اللهِ إنا كنا نفرعُ في الجاهليةِ فرْعًا فما تأمرُنا قال في كلِّ سائمةٍ فرعٌ تغذُوه ماشيتُك حتى إذا استحملَ ذبحتَه فتصدَّقتَ بلحمِه قال خالدٌ أُراه قال على ابنِ السبيلِ فإنَّ ذلك هو خيرٌ. (( الراوي : نبيشة الخير الهذلي | المحدث : الألباني | المصدر : إرواء الغليل، الصفحة أو الرقم: 4/412 | خلاصة حكم المحدث : صحيح على شرط الشيخين ))
اقرأ أيضا: هل تعلم عن الزكاة
هل يشترط في أخذ ابن السبيل من الزكاة ألا يقدر على الاقتراض؟
منَ الكِتابِ: قال اللهُ تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. وجه الدَّلالة: أنَّ ابنَ السبَّيلِ مِن مصارف الزَّكاة مطلقًا، ولم يُشترَط فيه ألَّا يقدِرَ على الاقتراضِ، ولِمَا في القَرضِ من ضرَرٍ في تحمُّلِ السَّدادِ، فضلًا عن احتمالِ عجْزِه عن الأداءِ، ولأنَّه قد وَجد مِنَّةَ اللَّه ونِعْمَتَه، فلا يَلْزمُه أنْ يدخُلَ تحتَ مِنَّةِ أحدٍ. (( أحكام القرآن لابن العربي 4/339 ))
هل يعطى سهم ابن السبيل لمن أراد أن يُنشئ سفرا؟
لا يُعطَى سهمُ ابن ِالسَّبيلِ لِمُنشِئ السَّفَرِ مِن بلَدِه؛ وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ، وذلك للآتي:
- أوَّلًا: أنَّ ابنَ السَّبيلِ هو ابنُ الطَّريقِ الكائِنِ فيها، وهو إنَّما ينطبِقُ على المسافِرِ المجتازِ دون المنشِئ الذي ليس بمسافرٍ مجتازٍ. ((الشرح الممتع لابن عُثيمين، 6/245 ))
- ثانيًا: أنَّ حُكمَ السَّفَرِ لا يثبُتُ بهَمِّه به دون فِعْلِه. (( المغني لابن قدامة، 6/485 ))
اقرأ أيضا: المساكين أشد حاجة من الفقراء