من هم اصحاب الحجر
اشتمل القرآن الكريم على الكثير من قصص الأنبياء والمرسلين مع أقوامهم، ومن بين هذه القصص كانت قصة أصحاب الحجر حيث ورد ذكرهم في سورة الحجر، ولكن الكثير من المسلمين لا يعرفون من هم اصحاب الحجر؛ لذلك من الواجب على كل مسلم ومسلمة معرفة من هم اصحاب الحجر وقصتهم وسبب تعذيبهم.
من هم اصحاب الحجر
أصحاب الحِجر هم قوم ثمود الذين أرسل إليهم صالح – عليه السلام -، وصالح هو واحد من الرسل الكرام الذين أرسلهم الله تعالى إلى الأقوام المختلفة لدعوتهم إلى دين الحق والنور والهدى والابتعاد عن طريق الغيّ والضلال والعصيان. سمّوا بهذا الاسم لأنهم سكنوا بالحجر، والحجر هي إحدى المناطق التي تقع ما بين كل من بلاد الشام والحجاز في جنوب شرق مدين بالقرب من خليج العقبة، وتسمّى بمدائن صالح، وهي موجودة إلى يومنا هذا وتعد معلماً سياحياً هاماً يقصدها جميع الناس ليروا هذه الآثار الخالدة.
وقد سميت ثمود بهذا الاسم نسبة إلى جدها وهو ( ثمود بن عامر بن ارم بن سام )، وهناك من قال أن ثمود هو ابن عاد بن عوص بن ارم. وقال عدد من المؤرّخين أنّ مساكن ثمود في الحِجر هي واحدة من المستعمرات التي كانت لقوم عاد الذين أرسل فيهم نبي الله تعالى هوداً – عليه السلام -.
اقرأ أيضًا: هل العلا هي مدائن صالح
قصة أصحاب الحجر
بعث الله -تعالى- صالح -عليه السّلام- إلى أصحاب الحجر داعياً إيّاهم إلى توحيد الله -تعالى- وعبادته، وكان من أرفعهم نسباً وأكثرهم علماً وخلُقاً، فدعاهم إلى التوحيد والاستقامة، وترك عبادة الأصنام، وبيّن لهم أنّ ما مكّنهم الله -تعالى- من نعمة القوة والعمران والرفاه يجب أن تقابل بالشكر والتقدير، وذكّرهم بعاقبة قوم عاد من قبل، حين كفروا نِعَم الله -تعالى- وكذّبوا نبيّهم، وحذّرهم من أن يمرّ بهم نفس الحال إذا كرّروا صنيع مَن قبلهم، حيث قال الله -تعالى- على لسان صالح عليه السّلام: (وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ).
لكنّ قوم صالح لم يؤمنوا بما جائهم به ولم يصدّقوه، وإنّما شكّكوا في فكره ورأيه، فقالوا بأنّه من أكثر الناس رجاحةً للعقل والرأي فكيف يأتي بعد سنوات من عبادة الأصنام التي درجوا عليها وأخذوها عن والديهم بعبادة جديدة وتوحيد للإله، فكان ذلك عظيم عليهم ولم يتقبّلوه ولم يؤمنوا به.
تمسك صالح -عليه السّلام- بطريق الدّعوة ولين الجانب في عرض دينه الجديد، وجادلهم بالتي هي أحسن، حيث ورد في القرآن الكريم: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ)، فكانت طريقته غايةً في اللطف واللين وأكّد لهم أنّه سيبقى يدعوهم ويذكّرهم بفضل الله -تعالى- عليهم وبسبيل التّوحيد لشكر تلك النِعم ليستقيموا إليه أو يحكم الله -تعالى- بينهم، لكنّهم أصرّوا على موقفهم المُنكر لرسالة صالح عليه السّلام، واتّهموه بأنّه مسحور وغائب عن الصواب في دعوته، حيث قال الله تعالى: (قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ).
اقرأ أيضًا: فضل سورة الشمس
معجزة صالح عليه السلام
كان نفر من قوم صالح -عليه السّلام- مجتمعين يوماً في نادٍ لهم، فدخل عليهم صالح -عليه السّلام- فدعاهم ونصحهم وذكّرهم بالله، فقابلوه كما في كلّ مرّةٍ بالكفر والتّكذيب، ثمّ أشاروا إلى صخرة كانت قريبة من مجلسهم ليخرج منها ناقة تأكل وتشرب ليؤمنوا برسالته ويوحّدون الله تعالى.
ذهب صالح عليه السّلام- إلى مصلّاه فصلّى لله -تعالى- وطلب منه أن يبعث له تلك المعجزة كما طلبوا لتكون دليلاً على صدقه أمامهم، فانشقّت الصخرة عن ناقة عشراء في تمام المواصفات التي طلبوها وذكروها.
آمن لصالح -عليه السّلام- الكثير منهم وصدّقوه واتّبعوه، وبقي الكثير أيضاً على كفرهم وضلالهم مكذّبين ومشكّكين، لكنّ القوم أجمعوا على أن تبقى تلك الناقة بين أظهرهم تأكل وتشرب وترعى في أرضهم، فكانت تشرب من بئر لهم يوماً كاملاً، وهم يشربون يوماً كاملاً، حيث قال الله تعالى: (وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ)، فهمّ بعض القوم بقتل الناقة ليكون لهم النصيب الأوفر من ماء البئر، فورد في القرآن الكريم: (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ).
اقرأ أيضًا: أسئلة دينية متنوعة لزيادة الوعي الديني
عذاب قوم صالح
بعد قتل ناقة النبيّ صالح تآمر كبار القوم على قتل نبيّهم أيضاً، فتآمروا بذلك ليلاً واتّفقوا أن يذهبوا إليه فيقتلوه ثمّ يتبرأوا من دمه، فعجّل الله لهم عذابهم وأنزل عليهم حجارةً أهلكتهم ونجّى الله -تعالى- نبيّه من القتل: (قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ*وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ*فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ).
كتب الله -تعالى- على القوم جميعاً الهلاك بعد كفرهم وضلالهم الطويل، فأنذرهم بأنّ العذاب نازل بهم بعد ثلاثة أيام، فكان القوم يُصبحون ويُمسون منتظرين العذاب، فجعلوا لأنفسهم القبور وأيقنوا أنّ العذاب واقع بهم، وعندما طلعت شمس اليوم الرابع وتأخّر العذاب ظنّ القوم أنّ الله -تعالى- عفا عنهم، فخرجوا من قبورهم ينادي بعضهم بعضاً، فجائهم جبريل -عليه السّلام- بالعذاب والهلاك فصاح بهم صيحةً ارتجفت الأرض من تحتهم وتقطّعت منها قلوبهم ودمّرت عليهم بيوتهم.
اقرأ أيضًا: أحاديث عن مدائن صالح