مقاصد سورة الكوثر
سورة الكوثر من السور الخالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كسورة الضحى، وسورة الشرح، حيث نزلت للتسرية عن الرسول الكريم بعدما آذاه بعض كفار قريش ووصفوه بأنه أبتر، فتُبيّن مقاصد سورة الكوثر أن البتر صفة متعلقة بأعداء الرسول.
مقاصد سورة الكوثر
تتمثل مقاصد سورة الكوثر الإجمالية في المنحة بكل خير يمكن أن يكون، واسمها الكوثر واضح في ذلك، وكذا النحر لأنه معروف في نحر الإبل، وذلك غاية الكرم عند العرب، بينما جاءت مقاصد السورة التفصيلية على النحو التالي:
احتوت السورة على بشارتين وأمر: البشارة الأولى بالخير الكثير الجزيل، والثانية بالبتر لأعدائه والثالث الأمر بالصلاة امتثالاً لأمر الله والنحر؛ أما تناسب ترتيب آيات السورة فكان بداية التأكيد على سنة الله في خلق الإنسان، بأن الله خلقه ليكرمه وينعم عليه بالخير الكثير، ثمّ أمره بالعبادة شكراً لله على نعمه بعد أن هيّأ له كل أسباب تمامها، وختمت بأن من يعصي الله ويعادي الله وأولياءه، فإن الذلة والهلاك والبتر هو جزاؤه، كما يلي:
البشارة الأولى في قوله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)} والكوثر: اسم في اللغة للخير الكثير، ولذلك فسره الزمخشري بالمفرط في الكثرة، وهو أحسن ما فُسر به وأضبطُه. أي أن اللّه تعالى أعطاه خيراً كثيراً جزيلا، ونعم عظيمة في الدنيا والآخرة، ومنها نهر الكوثر، وغير ذلك من الخير العظيم العميم.
والمشهور عند المفسرين أن معنى الكوثر هو نهر في الجنة، ومن المعاني الأخرى التي ذكرها المفسرون: أنه حوض في الجنة، والأولاد لبقاء النسل، والعلماء ينشرون الدين، والنبوّة ومعجزاتها وفضائلها التي لا تحصى، والقرآن وفضائله لا تحصى، والإسلام، وكثرة الأتباع والأشياع، وفضائل النبي الكثيرة، ورفعة الذكر، والعلم والحكمة، والخلق الحسن، والمقام المحمود الذي هو الشفاعة؛ وقيل الكوثر هذه السورة التي مع قصرها فهي وافية بجميع منافع الدنيا والآخرة والبشائر وأخبار الغيب، والعجز عن الإتيان بمثلها أو معارضتها؛ وأخيراً قيل أن المراد من الكوثر جميع نعم الله على محمد عليه السلام.
أمّا كلمة {إِنَّا} فهي إشارة إلى عظمة العطية لأن الواهب هو جبار السماوات والأرض، أي نحن إله السماوات والأرض وما فيهما وما فوقهما وتحتهما، والعطيّة هي الكوثر التي تفيد المبالغة في الكثرة.
تشتمل الآية الثانية على الأمر بإدامة الصلاة: {فَصَلّ لِرَبّكَ وانحر}، والإقبال على العبادة، ونحر الهدي شكراً لربك الذي يربيك ولن يتركك، وتعظيماً لواسع نعمه التي لا تحصى، فإن تكثير الإنعام عليك يوجب عليك الاشتغال بالعبودية كما أمرت. وأنه لما كانت الصلاة من لوازم تلك النعم، لا جرم صارت الصلاة أحب الأشياء للنبي عليه الصلاة والسلام فقال: “وجعلت قرة عيني في الصلاة” ولقد صلى حتى تورمت قدماه، فقال: “أفلا أكون عبداً شكوراً”. وفي الآية أيضاً بشارة بزوال الفقر والخوف، وبأن الخير سيتواصل وتستقر الأمور ويعم الأمن والأمان فيتفرغ الناس للصلاة والعبادة والأعياد ونحر الذبائح.
البشارة الثانية للرسول صلى الله عليه وسلم بخزي أعدائه: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} أي إن مبغضك هو المنقطع من كل خير في الدنيا والآخرة. وهذا أيضاً مزيد عطاء، بأنه بعد كل هذا الخير الكثير الذي أعطيناك فلا ينتهي، تبقى مظفراً وخصمك ذليل مقطوع أبتر.
اقرأ أيضا: أحاديث عن نهر الكوثر
لطائف سورة الكوثر
تضمنت سورة الكوثر بعض اللطائف البيانية ومن ذلك قوله تعالى {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}، فقد قال تعالى “أعطيناك” ولم يقل “آتيناك”، والسبب في ذلك أن العطاء مختص بالأموال والأشياء المادية، أما الإيتاء يكون في الأشياء المعنوية ويختص الإيتاء بالأشياء العظيمة، العطاء يتبعه التمليك.
أما الإيتاء فليس فيه تمليك ويمكن نزعه، كما جاء فعل العطاء بصيغة الماضي وهو سيحدث في المستقبل كناية عن تحقق الوقوع لا محالة فوعد الله منجز وأمره قائم، فهو سينصر نبيه الكريم ويظهره على أعدائه ويجازيه يوم القيامة بأن يعطيه نهر خاص به وذلك بسبب ما قاساه النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وتحمله في سبيل الدعوة إلى الله -سبحانه وتعالى-.
من لطائف سورة الكوثر أنها كالمقابلة للسورة التي قبلها وهي سورة الماعون، لأن السابقة وصف الله سبحانه فيها المنافق بأمور أربعة: البخل، وترك الصلاة، والرياء فيها، ومنع الزكاة. وذكر في هذه السورة في مقابلة البخل {إنا أعطيناك الكوثر}، أي الكثير، وفي مقابلة ترك الصلاة {فصلّ}، أي دم عليها، وفي مقابلة الرياء {لربك} أي لرضاه لا للناس، وفي مقابلة منع الماعون {وانحر} وأراد به التصدق بلحم الأضاحي.
اقرأ أيضا: أسباب نزول سورة الكوثر