مقاصد سورة الهمزة
تُصنّف سورة الهمزة ضمن السور المكية التي نزلت على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في مكة المكرمة، نزلت سورة الهمزة قبل سورة المرسلات وبعد سورة القيامة، وهي سورة من سور المفصل، تقع هذه السورة في الجزء الثلاثين والحزب الستين فهي السورة الرابعة بعد المئة من ترتيب سور المصحف الشريف، ويبلغ عدد آيات سورة الهمزة تسع آيات، وتعظم مقاصد سورة الهمزة لأنها تحمل تهديدًا شديد اللهجة لكل من يسخرون من الناس ويستهزأون منهم.
مقاصد سورة الهمزة
تتمثل مقاصد سورة الهمزة الإجمالية في التصريح بالخزي والتحذير بالعذاب لكل من يحسب أن نجاته وخلوده بجمع المال، فيطعن ويعيب على الناس محقراً أعمالهم ومترفعاً عليهم. بل إن جمع المال يطرح صاحبه في النار الموقدة، جزاءاً على تعاليه واغتراره به وعدم إنفاقه.
جاءت مقاصد سورة الهمزة التفصيلية على النحو التالي:
احتوت السورة على مجموعتان من الآيات تتحدثان عن هلاك الإنسان بسبب اعتقاده جهلاً بأن الخلود يكون بتكثير المال وليس بالعمل الصالح أو بقدر من الله: الأولى عن التهديد بالويل له من همزه ولمزه وأفعاله في الدنيا، فالموت ينتظره وليس الخلود؛ والثاني عن أن مصيره أن يطرح خالداً في النار الموقدة يوم القيامة.
تُنذر الآيات الثلاثة الأولى من السورة بالشر والهلاك لكل مغتاب للناس، طعان فيهم. الذي كان همُّه جمع المال وتعداده. يظن أنه ضَمِنَ لنفسه بهذا المال الذي جمعه، الخلود في الدنيا والإفلات من الحساب.
تؤكد الآيات من 4 إلى 9 أن الأمر ليس كما ظن، ليُطرحنَّ في النار التي تهشم كل ما يُلْقى فيها. إنها نار الله الموقدة التي من شدتها تنفُذ من الأجسام إلى القلوب. إنها عليهم مطبَقة في سلاسل وأغلال مطوَّلة؛ لئلا يخرجوا منها.
اقرأ أيضا: مقاصد سورة المرسلات
موضوعات ومضامين سورة الهمزة
يقول الله تعالى في سورة الهمزة: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ}، الويل هو الوعيد بالعقاب الشديد، وقيل أيضًا الويل واد في جهنم.
قال أهل العلم في تفسير الهمز واللمز: “الهَمْز بالفعل؛ كأنْ يلوي وجهَه أو يُشير بيده ونحو ذلك؛ لعَيْب شخصٍ أو تنقصه، واللَّمْز باللسان، وهو من الغِيبة المحرَّمة”، أمَّا الذي جمع ماله فهذه صفة البخل وعدم البذل وهذه الآية وصف للهمَّاز اللمَّاز المقصود في الآية السابقة، وجمع المال ومنعه من الصفات القبيحة التي يمكن أن يتصف بها الإنسان، فيظنُّ أنَّ المال سيخلده وسيعيش معه أبدَ الدَّهر.
أمَّا وقوله تعالى: {كلَّا ۖ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ}، معناه أنه سيلقى ويقذف في النار يوم الحساب، والحطمة هي نار الموقدة، وفي إضافة النار إلى الله تعالى في قوله: {نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ}، قال أبو السعود: “وفي إضافتها إليه -سبحانه- ووصفِها بالإيقاد -أي: المشتعلة- مِن تهويل أمرها ما لا مزيدَ عليه”.
وفي قوله تعالى: {الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ}، قال ابن جرير: “أي التي يطَّلع ألمُها ووَهَجُها على القلوب”، وعليهم مؤصدة أي مغلقة لا تفتح إلَّا بأمر الله، قال الزمخشري في تفسير قوله تعالى: {فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ}: “المعنى أنَّه يؤكِّد يأسَهم من الخروج، وتيقنَهم بحبس الأبد، فتؤصَد عليهم الأبواب، وتُمدَّد على العمد؛ استيثاقًا في استيثاق”.
اقرأ أيضا: أسباب نزول سورة الهمزة
تناسب سورة الهمزة مع ما قبلها
ترتبط سورة الهمزة ارتباطًا وثيقًا مع سورة العصر التي تسبقها في ترتيب المصحف الشريف؛ لذلك لما قال سبحانه وتعالى {إنَّ الإِنسانَ لَفِي خُسْرٍ (2)} في سورة العصر، أتبعه بمثال من ذكر نقصه وقصوره واغتراره، وظنه الكمال لنفسه حتى يعيب غيره، واعتماده على ما جمعه من المال ظناً أنه يخلده وينجيه، وهذا كله عين النقص، الذي هو شأن الإنسان، وهو المذكور في السورة قبل، فقال تعالى {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)}.
افتتحت سورة الهمزة بذكر ما أعد له من العذاب جزاء له على همزه ولمزه الذي أتم حسده، والهمزة العياب الطعان وللمزة مثله، ثم ذكر تعالى ماله ومستقره بقوله: {لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4)} أي ليطرحن في النار جزاءاً له على اغتراره وطعنه.
اقرأ أيضا: فوائد من سورة الهمزة