مقاصد سورة الشمس
تُصنّف سورة الشمس ضمن سور القرآن الكريم المكية، أي التي نزلت على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة، نزلت سورة الشمس بعد سورة القدر، وتقع في الجزء الأخير من القرآن الكريم، وترتيبها في المصحف الشريف واحد وتسعون، وتسبقها سورة البلد وتليها سورة الليل، وهي من قصار السور فعدد آياتها يبلغ خمسة عشر آيةً كريمة، وتدور مقاصد سورة الشمس حول تأكيد فوز من طهر نفسه ونماها بالطاعة والخير وخسارة من دساها وأخفاها في المعاصي.
مقاصد سورة الشمس
تتمثل مقاصد سورة الشمس الإجمالية في إثبات تصرفه سبحانه وتعالى في النفوس التي هي سرج الأبدان، تقودها إلى سعادة أو كيد وهوان ونكد، كما أن الشمس سراج الفلك، يتصرف سبحانه في النفوس بالاختيار إضلالاً وهداية نعيماً وشقاوة كتصرفه سبحانه في الشمس بمثل ذلك من صحة واعتلال، وانتظام واختلال، وكذا في جميع الأكوان، بما له من عظيم الشأن، واسمها الشمس واضح الدلالة على ذلك بتأمل القسم والمقسم عليه بما أعلم به وأشار إليه.
جاءت مقاصد سورة الشمس التفصيلية كالتالي:
أقسم الله سبحانه وتعالى في ثنايا سورة الشمس بسبعة أشياء وهي: الشمس وضوؤها وشروقها، وبالقمر إذا تبع الشمس بالطلوع بعد غروبها، وبالنهار إذا كشف الشمس، وبالليل إذا يغشى الشمس فيذهب بضوئها، وبالسماء وببنيانها وبانيها، وبالأرض ومن بسطها، وبالنفس الإنسانية وتسويتها، ومن المعلوم أن الله – سبحانه وتعالى – لا يقسم إلا بعظيم، فدل ذلك على أن كل ما أقسم به الله من تلك التي ذكرت انفا إنما كان لأمر عظيم.
جاء قسم الله سبحانه وتعالى بهذه المخلوقات بسبب ما فيها من العجائب العديدة ومظاهر قدرته تعالى والتي تدل على الخالق سبحانه وتعالى، وحتى ينتبه عباد الله إلى أنواع مخلوقاته التي كانت في وجودها وخلقها منافع عظيمة لهم ولمن يشاركهم الحياة على وجه البسيطة، وحتى يتأملها المكلف ويدرك عظمتها؛ فيشكر الله سبحانه وتعالى على هذه النعم، وقد جاء البدء بالقسم في هذه السورة لأن الذي يقسم به الله سبحانه وتعالى يحصل له وقع في قلب الإنسان مما يدعوه إلى التأمل.
أخبر الله سبحانه وتعالى في ثنايا سورة الشمس عن قبيلة ثمود التي تمادت وتجاوزت بطغيانها جميع الحدود؛ وذلك عندما قام أشقاها (قدار بن سالف) بعقر الناقة، وقد حذرهم صالح عليه السلام من عقر هذه الناقة، وأخبرهم بأن يتركوها، قال الله سبحانه وتعالى: (هذه ناقة الله لكم اية، فذروها تأكل في أرض الله، ولا تمسوها بسوء، فيأخذكم عذاب أليم) غير أنهم كذبوا نبي الله صالح عليه الصلاة والسلام، فأهلكهم الله بالصيحة التي أتت على صغيرهم وكبيرهم.
اقرأ أيضا: مقاصد سورة النبأ
لطائف سورة الشمس
تتناسب سورة الشمس مع السورة التي تسبقها في ترتيب المصحف الشريف وهي سورة البلد، فلما تقدم في سورة البلد تعريفه تعالى بما خلق فيه الإنسان من الكبد مع ما جعل له سبحانه من آلات النظر، وبسط له من الدلائل والعبر، وأظهر في صورة من ملك قيادة، وميز رشده وعناده {وهديناه النجدين}، وذلك بما جعل له من القدرة الكسبية، أقسم سبحانه وتعالى في هذه السورة على فلاح من اختار رشده واستعمل جهده وأنفق وجده {قد أفلح من زكاها} وخيبة من غاب هداه فاتبع هواه {وقد خاب من دساها} فبيّن حال الفرقين وسلوك الطريقين.
تتسم سورة الشمس باشتمالها على العديد من اللطائف البيانية ومن ذلك قوله -سبحانه وتعالى-: {قد أفلح من زكاها}، فقد افتتح الله تعالى السورة الكريمة بقسم وذلك بقوله: {والشمس وضحاها} وبين أهل التفسير البياني أن جواب هذا القسم هو قوله: “قد أفلح من زكاها”.
والتزكية في اللغة العربية من الألفاظ التي تحتمل أكثر من معنى وذلك حسب سياق الجملة وموضعها فيه، فمثلا “زكى نفسه” أي غسل ذنوبها وطهرها، ومنها الزكاة التي تطهر الأموال والأنفس، ويمكن أن يأتي معنى “زكى نفسه” أي افتخر بها ونسبها إلى التزكية وقال أنا جيد وأنا خير وما إلى ذلك، وفي هذه الاية الكريمة أتى معنى “زكاها” -أي النفس- بمعنى طهرها وغسل ذنوبها وهداها إلى طريق الحق، والله تعالى أعلم.
اقرأ أيضا: مقاصد سورة التكوير