مقاصد سورة الغاشية
سورة الغاشية هي السورة الثامنة والثمانون من سور القرآن الكريم البالغ عددها مائة وأربعة عشر سورة كريمة، تقع في الجزء الثلاثين وتسبقها سورة الأعلى وتليها سورة الفجر، ويبلغ عدد آياتها ستة وعشرين آية، وهي من السور التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة؛ ولذلك تدور مقاصد سورة الغاشية حول الأمر بالتذكير بالبعث والحساب، وتأكيد قدرة الله عليه.
مقاصد سورة الغاشية
تتمثل مقاصد سورة الغاشية الإجمالية في إثبات الدار الآخرة التي الغاشية مبدؤها، وذكر ما فيها للأتقى والأشقى، والدلالة على القدرة عليها، وأدل ما فيها على هذا المقصود الغاشية- نعوذ بالله من القلب الغاشي والبصيرة الغاشية، لئلا تكون الغاشية علينا بسوء الأعمال ناشية.
جاءت مقاصد سورة الغاشية التفصيلية تبعًا لترتيب آياتها على النحو التالي:
مقاصد سورة الغاشية من الآية 1 حتى 16
في هذه الآيات المباركات تتناول سورة الغاشية اليوم الآخر ومصير الناس وأحوالهم في هذا اليوم المهول، فالناس يومئذ قسمان، وجوه ذليلة متعبة من كثرة العمل الذي يشقيها ويتعبها في النار الحامية، فلا تأكل إلَّا من النار ولا تشرب إلَّا من النار، قال تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ * تَصْلَىٰ نَارًا حَامِيَةً * تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ * لَّا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ}.
أما القسم الثاني من الناس فهم أصحاب وجوه ناعمة راضية في جنان الخلد ونعيم الله تعالى، هانئة راضية فرحة، لها من النعيم السرر والوسائد الفاخرة، قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ * لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً * فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ * فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ}.
مقاصد سورة الغاشية من الآية 17 حتى 26
توجه الآيات الدلائل المرئية لوحدانية الله وقدرته العظيمة بطريقة الاستفهام، فتسأل هل نظر الكافرون والمشركون إلى الإبل كيف خلقت والسماء والجبال والأرض كيف وجدتْ دون خالق لها.
ثمَّ يخاطب الله تعالى رسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم- ويأمره بتذكير الناس وتحذيرهم من العذاب الأليم، فمن كفر فعذاب الله بانتظاره، فكلُّ الناس مصيرهم ومرجعهم إلى الله تعالى، قال تعالى: {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ * فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ * إِلَّا مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ * إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم}.
اقرأ أيضا: فوائد من سورة الغاشية
لطائف سورة الغاشية
تتناسب سورة الغاشية مع سورة الأعلى التي تسبقها في ترتيب المصحف الشريف، فلما تقدم في سورة الأعلى تنزيهه سبحانه عما توهم الظالمون، استمرت آي السورة على ما يوضح تقدس الخالق جل جلاله من عظيم مقالهم.
أتبع ذلك بذكر الغاشية بعد افتتاح السورة بصورة لاستفهام تعظيماً لأمرها، فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {هل أتاك} يا محمد {حديث الغاشية} وهي القيامة، فكأنه سبحانه وتعالى يقول: في ذلك اليوم يشاهدون جزاءهم ويشتد تحسرهم حين لا يغني عنهم، ثم عرف بعظيم امتحانهم في قوله: {ليس لهم طعام إلا من ضريع (6)} مع ما بعد ذلك وما قبله.
ثم عرف بذكر حال من كان في نقيض حالهم إذ ذلك أزيد في الفرح وأدهى، ثم أردف بذكر ما نصب من الدلائل وكيف لم يغن فقال: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت (17)}، أي أفلا يعتبرون بكل ذلك ويستدلون بالصنعة على الصانع ثم أمره بالتذكار.
اقرأ أيضا: مقاصد سورة الأعلى
أسماء سورة الغاشية
وردت سورة الغاشية في كتب علماء السلف بأسماء مختلفة، فمنهم من سماها سورة الغاشية وهو اسمها المنتشر اليوم، ومنها من سمَّاها “هل أتاك حديث الغاشية”، وقد وردتْ بهذا الاسم بدليل ما ثبت عن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- أنه قال: “إنَّ الضَّحَّاكَ بنَ قيسٍ سأَل النُّعمانَ بنَ بشيرٍ: ماذا كان يقرَأُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يومَ الجمعةِ على إثرِ سورةِ الجمعةِ؟ فقال: كان يقرَأُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- بـ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}. (( رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن النعمان بن بشير، الصفحة أو الرقم: 2807، أخرجه في صحيحه ))
وقيل إنَّ ابن عطية سمَّاها في تفسيره بسورة هل أتاك، وهذا الاختلاف يحصل في أغلب أسماء السور، وكلُّ هذه الأسماء تؤدي ذات المعنى وتوصل ذات الغرض، والله تعالى أعلى وأعلم.
اقرأ أيضا: مقاصد سورة الذاريات