مقاصد سورة الانشقاق
سورة الانشقاق هي السورة الثانية والثمانون في ترتيب سور القرآن الكريم البالغ عددها مائة وأربعة عشر سورة كريمة، وهي تُعتبر من قصار السور إذ يبلغ عدد آياتها خمسة وعشرون آية، وتعنى مقاصد سورة الانشقاق بأصول العقيدة الإسلامية حالها كحال معظم السور المكية.
مقاصد سورة الانشقاق
تتمثل مقاصد سورة الانشقاق الإجمالية في التأكيد على أن الإنسان في هذه الدنيا ساع إلى ربه يكدح بأعماله، ثم يوم القيامة يلاقي ربه، الذي يراقبه وهو به عليم، فيجازيه على قدر إيمانه واتباعه القرآن وعمله الصالحات بالأجر الغير ممنون أو على تكذيبه بالعذاب الأليم، فمقصودها الدلالة على أن الأولياء ينعمون والأعداء يعذبون، لأنهم كانوا لا يقرون بالبعث ولا بالعرض على الملك الذي أوجدهم ورباهم كما يعرض الملوك عبيدهم ويحكمون بينهم فينقسمون إلى أهل ثواب وأهل عقاب واسمها الانشقاق أدل دليل على ذلك بتأمل الظرف وجوابه الدلال على الناقد البصير وحسابه.
جاء مقاصد سورة الانشقاق التفصيلية كالتالي:
تبدأ السورة بذكر بعض مشاهد الآخرة، فتتناول الأهوال العظيمة التي سيشهدها الناس في يوم القيامة، كما تصوِّر التقلُّبات المخيفة التي ستصيب الكون الشاسع كله في ذلك اليوم الحقِ كما وصفه الله، قال تعالى: ( إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ).
تتحدث الآيات بعد ذلك عن الإنسان الذي يكدّ في سبيل عيشه ويسعى للحصول على الرزق ويشقى في سبيل ذلك، وفي نهاية أمره يلاقي في الآخرة إمَّا عذابًا وإما ثوابًا وذلك وفقَ أعماله التي قدمها لنفسه في دنياه، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً).
تتناول الآيات موقف المشركين من القرآن، فهم يقفون موقفًا مكذِّبًا بآيات الله، وتؤكد الآيات أن مصيرهم يوم القيامة العقاب الشديد من الله تعالى بسبب جحودهم وكفرهم، وقد وجَّهت لهم الآيات وعيدًا شديدًا وتوبيخًا مخيفًا، قال تعالى: (فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ * وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ * وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ * لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبَقٍ).
تُختم بتوبيخ المشركين على عدم إيمانهم بالله مع وضوح الآيات ووعدتهم بالعذاب الأليم، وفي النهاية تختمُ ببشرى للمؤمنين بأنَّ لهم أجر كبير عند الله، قال تعالى: ( فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ * وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ * فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ).
اقرأ أيضا: فوائد من سورة الانشقاق
لطائف سورة الانشقاق
تضمنت سورة الانشقاق العديد من اللطائف البيانية ومن ذلك ما جاء في أوّل آياتها: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ}، فمن الملاحظ أنّ الله تعالى تكلّم في أول آيات سورة الانشقاق بصيغة الفعل الماضي، مع أنّ الحديث هو عن أمورٍ ستحدث في المستقبل.
وقد ذكر علماء التفسير والإعجاز البياني في القرآن الكريم أنّ الله تعالى إذا شاء الحديث عن أمرٍ حتمي الوقوع ذكره بصيغة الفعل الماضي، ودلالةٌ ذلك أن هذا الأمر واقعٌ لا محال ولو بعد حين، أي أراد أن يؤكد بقوله “إذا السماء انشقت” أي كأنّها انشقت، لأنّها ستنشق وستقع كلّ أهوال يوم القيامة وهذا أمرٌ سيقع بالتأكيد وكأنّه وقع.
اقرأ أيضا: مقاصد سورة الحاقة
مناسبة سورة الانشقاق لما قبلها
تتناسب سورة الانشقاق مع السور التي سبقتها في ترتيب المصحف الشريف، فلما تقدم في الانفطار التعريف بالحفظة وإحصائهم على العباد في كتبهم، وعاد الكلام إلى ذكر ما يكتب على البر والفاجر واستقرار ذلك في قوله تعالى {إن كتاب الأبرار لفي عليين (18)}، وقوله: {إن كتاب الفجار لفي سجين (7)} في سورة المطففين، أتبع ذلك بذكر التعريف بأخذ هذه الكتب في القيامة عند العرض، وأن أخذها بالأيمان عنوان السعادة، وأخذها وراء الظهر عنوان الشقاء.
قد تقدم في السورتين قبل ذكر الكتب واستقرارها بحسب اختلاف مضمناتها فمنها ما هو في عليين ومنها ما هو في سجين إلى يوم العرض، فيؤتى كل كتابه فآخذ بيمينه وهو عنوان سعادته، وآخذ وراء ظهره وهو عنوان هلاكه، فتحصّل الإخبار بهذه الكتب ابتداء واستقراراً وتفريقاً يوم العرض، وافتتحت السورة بذكر انشقاق السماء ومد الأرض وإلقائها ما فيها وتخليها تعريفاً بهذا اليوم العظيم بما يتذكر به من سبقت سعادته والمناسبة بينه.
اقرأ أيضا: أسباب نزول سورة الانشقاق