مقاصد سورة الانفطار
سورة الانفطار من السور التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة؛ لذلك تدور مقاصد سورة الانفطار حول يوم القيامة والانقلاب والتحول الكوني الذي يرافق قيام الساعة، وما يحدث في ذلك اليوم العظيم والخطير من أحداث عظام، ثم بيان ما يؤول إليه كل من الأبرار والفجار يوم بعثهم ونشورهم.
مقاصد سورة الانفطار
تتمثل مقاصد سورة الانفطار الإجمالية في التأكيد على أن القيامة حق ويقين، فإذا قامت علمت نفس ما قدمت وأخرت من خير أو شر، ستدرك ما أهدرت من النعيم الذي قدمته بالتمتع بالدنيا وفي الباطل والفساد واتباع الشهوات والصد عن سبيل الله، وستجد ما أخرت من النعيم الذي ادخرته لآخرتها بعمل الطاعات والاستعانة به على كسب الثواب في عمل الصالحات والإنفاق في سبيل الله، فمقصود الآيات التحذير من الانهماك في الأعمال السيئة اغتراراً بإحسان الرب وكرمه ونسيانا ليوم الدين الذي يحاسب فيه على النقير والقطمير، ولا تغني فيه نفس عن نفس شيئا.
جاءت مقاصد سورة الانفطار التفصيلية على النحو التالي:
- عرض مشاهد يوم القيامة من تشقّق السّماء، وتفجّر البحار، وتبعثر القبور، وما يعقب ذلك من الحساب والجزاء في ذلك اليوم الخطير، مع علم كلّ نفس بما قدّمت من الخير أو الشّرّ.
- العتاب المبطّن بالتّهديد والوعيد، بسبب جحود الإنسان لنعم ربّه وكفرانه لها، رغم ما يغدق عليه ربّه من النّعم، ولكنّه أنكر كلّ هذه النّعم وجحد بها، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ}،… إلى قوله: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ * يَصْلَوْنَهَا يوم الدِّينِ * وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغائبين}.
- ذكر سبب هذا الجحود الذي وقع من الإنسان الجاحد، وبأنّ الله تعالى وكّل بكلّ إنسان ملائكة يحفظونه من كلّ شرّ، ويسجّلون عليه أفعاله من خير أو شرّ، قال تعالى: {كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ * إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ * يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ * وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ}.
- تصوير شدّة خطورة الموقف وعظمه، في يوم الحساب وهوله وضعف النّفوس واستسلامها لأمر ربّها، حيث لاحول ولا قوّة لها، والحول والقوّة يومئذ لله وحده لا شريك له، قال تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ}.
اقرأ أيضا: مقاصد سورة الدخان
لطائف سورة الانفطار
من أبرز لطائف سورة الانفطار البيانية ما قاله الدكتور فاضل السامرائي حول استعمال “إذا” والفرق بينها وبين “إنْ” في القرآن الكريم، فإنّ “إذا” في كلام العرب تستعمل للمقطوع بحصوله وحدوثه، كما في قوله تعالى في سورة الانفطار: {إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ}، فإنّ السّماء يوم القيامة مقطوع بتشقّقها، وكذلك الكواكب ستتساقط، والبحار ستتفجّر ويختلط بعضها ببعض، والقبور ستتبعثر وينقلب سافلها أعلاها، كلّ ذلك مقطوع بحصوله عند قيام السّاعة.
بينما “إنْ” فاستعمالها في القرآن الكريم لما يتوقع حصوله وحدوثه، أو مشكوك في حدوثه، أو مستحيل الحدوث أو نادر، كما في قوله تعالى في سورة القصص: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً}، فاستمراريّة الظّلام لم يقع في الحياة الدّنيا ونادر الوقوع، ولكنّه احتمال.
وقوله تعالى في سورة الطّور: {وَإِن يَرَوْا كِسْفاً مِّنَ السَّمَاءِ سَاقِطاً يَقُولُوا سَحَابٌ مَّرْكُومٌ}، وهذا لم يحصل ولكنّه احتمال وافتراض، وممّا تقدّم فإنّ التأملات البيانية في سورة الانفطار، وبالتّحديد الفرق بين استعمال “إذا” و”إنْ” في القرآن الكريم بأنّ “إذا” تستعمل للشّيء المقطوع بحدوثه بينما “إن” تستعمل للشّيء المشكوك بحدوثه أو النّادر أو المستحيل الحدوث.
اقرأ أيضا: مقاصد سورة الطور
مناسبة سورة الانفطار لما قبلها
تتناسب سورة الانفطار مع سورة التكوير التي سبقتها في ترتيب المصحف الشريف، ف لما ختمت سورة التكوير بأنه سبحانه لا يخرج عن مشيئته شيء، وأنه موجد الخلق ومدبرهم، وكان من الناس من يعتقد أن هذا العالم هكذا بهذا الوصف لا آخر له، أرحام تدفع وأرض تبلع ومن مات فات وصار إلى الرفات ولا عود بعد الفوات، افتتح سبحانه سورة الانفطار بما يكون مقدمة لمقصود التكوير من أنه لا بد من نقضه لهذا العالم وإخرابه ليحاسب الناس فيجزي كلاً منهم من المحسن والمسيء بما عمل.
اقرأ أيضا: تفسير سورة الإنفطار للأطفال