مقاصد سورة نوح
نزلت سورة نوح على النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة، وهي من سور المفصل، عدد آياتها ثمان وعشرون آية، وترتيبها في القران الكريم الحادية والسبعون، وقد نزلت سورة نوح بعد سورة النحل، وتعالج مقاصد سور نوح أصول العقيدة الإسلامية، فقد تناولت السورة تفصيلا قصة نبي الله نوح عليه السلام، وأكدت سنة الله تعالى في الأمم التي انحرفت عن دعوة الله وعقابه الشديد لهم في الآخرة.
مقاصد سورة نوح
تكشف مقاصد سورة نوح تجليات المراحل الدعوية التي مر بها نبي الله نوح -عليه السلام-، وتسوق آيات السورة مشاهد من صبره وتحمله في سبيل نشر الدعوة، وتصف بشكل مباشر أبرز التحديات التي واجهته في تحقيق دعوته؛ فقد مثل قومه الفئة الضالة الجاحدة لأي هداية ونور، والمنغمسة في الضلال والشرور، ومع ذلك لم يدع نبي الله نوح -عليه السلام- بابا إلا وجاهد في فتحه؛ راجيا لقومه الهداية، ولكنهم لم أصروا على العناد، حل بهم العقاب الإلهي.
تتمثل مقاصد سورة نوح التفصيلية في:
- التأكيد على وحدة الأديان واتفاق الأنبياء -عليهم السلام- جميعهم من نوح، وصولا إلى محمد في دعوتهم إلى توحيد الله -تعالى- وعبادته وعدم الإشراك به.
- التوجيه إلى ضرورة تجنب اتباع كل من يقود إلى الضلال، حتى إن كان ذا سلطة ومكانة؛ إذ لا ينجي من العذاب إلا اتباع الحق.
- الحرص على تقوى الله -عز وجل- وكثرة استغفاره؛ إذ إنهما من الأسباب الموجبة لسعة الرزق، ونيل البركة فيه.
- التأمل والتفكر في قدرة الله -تعالى-؛ من مراحل خلقه للإنسان، وكيفية خلق السماوات، والأرض، والشمس، والقمر، وتسخيرها للبشرية.
- الأدب في الدعوة؛ فقد لجأ النبي نوح -عليه السلام- إلى جميع الأساليب في دعوته لقومه؛ فدعاهم في كل وقت؛ ليلا، ونهارا، متخذا كل الأسباب في دعوتهم؛ حيث صبر عليهم، وحاورهم بالرفق واللين، ورغبهم في سعة الأرزاق، وكثرة الأولاد والأموال، ودلل على ذلك بالايات، وأقام لهم الحجج والبراهين، وحذرهم من عدم الإيمان برسالته.
- الصبر في الدعوة؛ فقد صبر نوح -عليه السلام- في دعوته لقومه؛ إذ استمر يدعوهم تسعمئة وخمسين عاما، ومما يلزم الصبر عدم استعجال النتائج، وعدم اليأس، أو القنوط من الدعوة.
- وجوب التوكل على الله واللجوء إليه في كافة الأحوال.
اقرأ أيضا: أسباب نزول سورة نوح
موضوعات ومضامين سورة نوح
ابتدأت السورة بقول الله -تعالى-: {إنا أرسلنا نوحا إلى قومه}، لقد جاء الأنبياء ليحذروا البشرية من الأخطار التي تداهمهم وتفاجئهم وتهلكهم، قال الله تعالى: {أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم}، فالأنبياء مطيعون لله -تعالى- فيما أمرهم، ويسعدهم ذلك.
قام نوح -عليه السلام- على الفور مثل كل الأنبياء الذين جاؤوا من بعده بعد أن جاءه الأمر الرباني بالدعوة، فنادى قومه، بقوله تعالى: {يا قوم إني لكم نذير مبين}، بكل رحمة وحب: “يا قوم”، رغم أنهم جهال، ضلال، إلا أنه دعاهم بلين ورفق، وقرب نفسه منهم قائلا لهم: إن الله -سبحانه وتعالى- يتوعدكم بعذاب ينتظركم، فاتقوا الله وأطيعوني فيما امركم به، لكنهم خذلوه، وحاولوا أن يصدوه عن دعوته، واستمروا في عبادتهم لأوثانهم وطغيانهم.
أوضحت السورة الكريمة جهاد نوح -عليه السلام- في دعوته وعدم ضعفه أو تراجعه أمام الكفرة والمجرمين والطواغيت في سبيل تبليغها على الوجه الذي يرتضيه الله -سبحانه وتعالى- فقد كان يعمل عملا متواصلا دون كلل أو ملل، {قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا، فلم يزدهم دعائي إلا فرارا}. من الكبر والجهل.
تبين لنا السورة إصرار نوح في متابعة دعوته، واستخدامه لجميع الوسائل والطرق في سبيل تبليغ رسالته وإيصالها كما أرادها الله –تعالى- {وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في اذانهم} سدوا أذانهم تماما، {واستغشوا ثيابهم}. أي غطوا وجوههم بثيابهم لئلا يروا وجوه الأنبياء النيرة، فالعيب ليس في الوحي ولا في الدعوة، إنما العيب فيهم، فهم لا يريدون أن يغيروا أنفسهم، قال الله تعالى: {ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا}.
لم يترك نوح -عليه السلام- حالا ولا هيئة ولا طريقة إلا كلمهم بها، ثم عاد ودعاهم إلى التوبة والإنابة والاستغفار لذنوبهم وتقصيرهم، وإن ذلك سيغدق عليهم الخيرات والنعم من المال والبنين والثمرات والأرزاق، ولكنهم أصروا على ضلالهم وكفرهم، {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا*يرسل السماء عليكم مدرارا، ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا}.
يخبر نوح ربه –عز وجل- بأن قومه تمادوا في عصيانه ولم يعودوا إلى رشدهم، وأنهم اتبعوا الطواغيت من أصحاب المال والجاه، والذين لن يزيدوهم إلا ضلالا وبعدا عن الحق، قال الله تعالى: {إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا}.
وبعد أن يئس نوح من قومه، وعلم بأنهم لا فائدة ترجى منهم، دعا عليهم بالهلاك والفناء، حتى لا يكونوا سببا في ضلال غيرهم: {إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا}. ويزيد نوح -عليه السلام- في دعائه على الظالمين، قال تعالى: {ولا تزد الظالمين إلا تبارا}، أي: إلا هلاكا فوق هلاكهم، هذا في الدنيا فقط.
كل هذا الترهيب والترغيب ما زادهم إلا ضلالا وبعدا عن الحق، ثم يخبر القران المسلمين عن حدث عظيم بكلمات قلائل، فقال الله -عز وجل-: {أغرقوا فأدخلوا نارا}، بسبب طغيانهم وكفرهم، ولم يجدوا لأنفسهم بعد ذلك أنصارا، أما المؤمنون فقد وصلوا إلى المغفرة، وجاء ذلك في قوله تعالى: {رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات}.
اقرأ أيضا: موضوعات ومضامين سورة النحل