مقاصد سورة الطور
تعد سورة الطور من السور المكية، وتتألّف من تسع وأربعين آية كريمة، وهي السورة صاحبة الترتيب الثاني والخمسين بين سور القرآن الكريم، في الجزء السابع والعشرين، والحزب الثالث والخمسين، في الربعين الأول والثاني منه، وتعنى مقاصد سورة الطور بمعالجة قضايا العقيدة مثل الرسالة والوحدانية والبعث من القبور والجزاء يوم القيامة.
مقاصد سورة الطور
تتمثل مقاصد سورة الطور تفصيلاً في:
- التأكيد على حقيقة وقوع العذاب على المكذبين جزاءاً على أعمالهم. وذلك في يوم تضطرب فيه السماء ويزول نظامها وتتحرك الجبال من أماكنها. فليصبر الرسول (والمؤمنين) على تبليغ رسالة الله وتحمّل أذى المكذبين فسيعذبهم عقاباً لهم، ويدخل المؤمنين النعيم ثواباً لهم.
- الإشارة إلى ما أعدّه الله للمكذبين من العذاب الذي يستحقونه، وإلى ما أعد من النعيم لمن يخاف عذابه ويطلب بالعمل الصالح رحمته، ليطمعهم فيه فيستعدّوا بالأعمال لينالوا الجزاء الذي يستحقون، كلّ حسب عمله. فمن يعاند ويكابر فلينتظر العذاب الذي ذكر في أول السورة كما يهددهم بعذاب أقرب {وإن للذين ظلموا عذاباً دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون (47)}.
- دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المداومة على تبليغ رسالته، فهو -بفضل ما أنعم الله به عليه من النبوة ورجاحة العقل- ليس بكاهن، ولا مجنون، ولا شاعر، كما تدعوه إلى عدم الالتفات إلى ما يتقوّله عليه المتقولون، وعدم المبالاة بما يصفون به القرآن، الذي عجزوا عن الإتيان بمثله.
- دحض وإبطال جميع حجج المكذبين وأعذارهم وشكوكهم وأباطيلهم، بحجج بسيطة ومنطق مفهوم على شكل مجموعة من الأسئلة المتلاحقة التي تستهجن أن تكون ادّعاءاتهم ذات منطق مقبول في مقابل الحق الذي هم عاجزون أن يأتوا بمثله.
- توصية الرسول صلى الله عليه وسلم بما ينبغي أن يتصرفه، تجاه الكافرين، الذين وصلوا إلى دَرَكَة ميؤوس معها من استجابتهم عن طريق إرادتهم الحرة، مع بيان الدواء الديني الذي عليه صلى الله عليه وسلم أن يداويَ نفسه به.
اقرأ أيضاً: موضوعات ومضامين سورة المؤمنون
موضوعات ومضامين سورة الطور
يُقسم الله تعالى في مطلع سورة الطور بالجبل الذي كلَّم الله عنده نبيه موسى -عليه السَّلام- وبالكتاب والبيت أنَّ عذاب الله تعالى لا شكَّ واقع، وأنَّ يوم القيامة آتٍ لا محالة، هذا اليوم الذي تضطرب فيه السماء وتنسف الجبال بأمر الله تعالى، ويومئذ سيكون العذاب مجهزًا للذي كانوا في الحياة الدنيا يلهون ويلعبون. وذلك من قوله تعالى (وَالطُّورِ {1} وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ {2} فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ {3} وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ {4} وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ {5} وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ {6}) إلى قوله تعالى : (اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاء عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {16}).
تنتقل الآيات لسرد أحوال المؤمنين في نعيم الله -سبحانه وتعالى- فتعرض ككثير من سور الكتاب حال المؤمنين وما في الجنان من نعيم أعدَّه الله -سبحانه وتعالى- للمؤمنين من عباده الذين أحسنوا عملًا في الحياة الدنيا، ثمَّ توجه الآيات الخطاب إلى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وتأمره أن يذكَّرَ أهله ويعظهم برم سوء أدبهم معه، ثمَّ ترد الآيات على ادعاءات قريش التي تقول إنَّ محمد بن عبد الله شاعر كغيره وسيموت وينتهي أمره. وذلك من قوله تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ {17} ) إلى قوله تعالى : (إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ {28}).
تواصل الآيات القرآنية الرد على من أنكر رسالة محمد من المشركين، فتسخر منهم وتسرد لهم الأدلة على وحدانية الله -سبحانه وتعالى- ولكنَّهم صمٌّ بكمٌ لا يسمعون، ثمَّ تخاطب الآيات الكريمة رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- وتأمره أن يصبر لحكم الله تعالى، وأن يترك قومه في عنادهم، وأن يستعين بالله تعالى على أمر الرسالة ونشر الدعوة الإسلامية العظيمة. وذلك من قوله تعالى: (فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بنعمة رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ {29}) إلى قوله تعالى : (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ {48} وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ {49}).
اقرأ أيضاً: موضوعات ومضامين سورة الرعد
لطائف سورة الطور
افتتح الله تعالى سورة الطور بالقسم بخمسة أمور وذلك للتأكيد على عظمة ما بعده من آيات، قال تعالى: {وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ}. و“الطور” هو الجبل الذي كلّم الله عنده نبيّه وموسى، وقد أقسم الله به لعظمة شأنه، و”كتاب مسطور” هو القرآن الكريم، أمّا “الرقّ المنشور” فالرَق هو الجِلد الرقيق الذي يُكتب فيه ومنشور أي المبسوط بالنظر، أمّا “البيت المعمور” فهو الكعبة المشرفة و”السقف المرفوع” فهو السماء، وقيل أنّ “البحر المسجور” هو البحر الموقد المحمي الذي يصل إلى درجة الغليان.
من أهم اللطائف الخاصة بسورة الطور هو موضعها، حيث يقول الإمام جلال الدين السيوطي: وجه وضعها بعد الذاريات تشابههما في المطلع والمقطع فإِن في مطلع كل منهما صفة حال المتقين بقوله: {إِنَّ المُتَقينَ في جنّات} الآية (15) من سورة الذاريات والآية (17) من سورة الطور. وفي مقطع كل منهما صفة حال الكفار بقوله في تلك: {فويلٌ للَذينَ كفروا (60)} وفي هذه: {فالذينَ كَفَروا (42)}.
تُعتبر سورة الطور بالنسبة لسورتي قّ والذاريات هي مثل سورة الحجرات بالنسبة لسورتي محمد والفتح، في وصف حياة المتقين في الدنيا في الذاريات ووصف حياتهم في الآخرة في الطور. فكما أن سورة الحجرات تصف جو الخصوصية للأفراد والجماعات، وتحذر من المساس بها. وتبين أن أصل الناس واحد، وأن الله جعلهم شعوباً وقبائل ليتعارفوا فيحصل التناصر والتعاون والتوارث، ويحترم بعضهم حقوق بعض، وحقوق الأنساب وخصوصية البيوت وكيان الأسرة المبنية على التقوى والإيمان. وسورة الطور تصف حياتهم الهانئة في الجنة يطوف عليهم غلمان لهم وقد زوجهم ربهم وألحق بهم ذريتهم. كما وتبين أن كيد الذين ظلموا في الدنيا لم يغن عنهم شيئاً في الآخرة.
اقرأ أيضاً: أسباب نزول سورة الطور