مقاصد سورة الزمر
يدور محور سورة الزمر حول التأكيد على وحدانية الله، وموضوعها الرئيس هو الحديث عن التوحيد، وأدلة وجود الله ووحدانيته، وعن الوحي، والقرآن العظيم، ورغم أن مقاصد سورة الزمر مثل مقاصد السور المكية إلاّ أنّها تهزّ القلب هزّاً عميقاً متواصلاً في كل مقاطعها لتطبع فيه حقيقة التوحيد، وتنفي عنه كلَّ شبهة أو ضلالة. ومن ثَمَّ فهي ذات موضوع واحد متصل من بدئها إلى ختامها يُعرض في صور شتى.
مقاصد سورة الزمر
تتمثل مقاصد سورة الزمر فيما يأتي:
الدعوة إلى توحيد الله وإخلاص الدين له
ابتدأت السورة ببيان تنزيل القرآن الكريم من الله تعالى على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، داعية إيَّاه لعبادة ربّه وحده، وإخلاص الدّين له، وتوضيح شبهة المشركين في اتِّخاذ الأصنام آلهة شفعاء، وعبادتها وسيلة إلى الله تعالى، والنعي عليهم في عبادة الأوثان، فالإيمان الوحيد هو الإيمان بالله الواحد الأحد.
وأردفت الآيات ذلك بإقامة الأدلة على وحدانية الله تعالى وكما غناه وقدرته، من خلق السموات والأرض، وتعاقب الليل والنهار، وتسخير الشمس والقمر، وخلق الإنسان في أطوار مختلفة متعاقبة، وذلك يقتضي ربوبيّته تعالى المستلزمة لألوهيته، وأنَّه تعالى لا يحتاج لإيمان أحد وعبادته، وإنّما الإنسان هو الذي يحتاج إلى الله وعبادته.
وذلك من قوله تعالى: (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ) إلى قوله تعالى: (….ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ).
مقارنة بين المؤمن والكافر
ندَّدت الآيات بطبيعة المشرك وتناقضه، وبيَّنت ما في نفسيته من تذبذب، فهو يتضرع إلى الله عند الشدائد ليعود إلى كفره وينسى ربّه حال الرخاء، وذلك على العكس من نفسية المؤمن السائر لربه على جناحي الخوف والرجاء. وذلك من قوله تعالى: (وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ…) إلى قوله تعالى: (…قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ).
أسباب الهداية والثبات
تُوضّح الآيات أسباب الهداية والثبات على الحق، فتتحدث تقوى الله والإحسان في عبادته، فمن تعسّر عليه ذلك في وطنه فليهاجر إلى غيره فإنّ أرض الله واسعة، فمن فعل ذلك فقد وقع أجره على الله.
ثمّ وجَّهت الآيات مجموعة من الأوامر للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مبيِّنة من خلالها أنَّ تحقيق العبودية لله تعالى وحده روح الرسالات الإلهية وزبدتها، كُلِّف بها المرسلون أولاً ليكونوا الأسوة الصالحة والقدوة الحسنة لمن أُرسلوا إليهم، تخلَّل ذلك تهديد للمشركين لعلَّهم يرجعوا إلى الطريق المستقيم، وبشَّرت المؤمنين الطائعين المنيبين بالغرف في جنات النعيم.
وذلك من قوله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ…) إلى قوله تعالى: (…وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ).
جزاء المهتدين والكافرين
أوردت الآيات بعض الأدلَّة الدَّالة على قدرة الله تعالى في إحياء الخلق وبعثهم بعد الموت، كما أحيا الأرض بعد موتها، وتُعدّ تلك بمثابة توطئة لبيان جزاء المهتدين والكافرين في الآخرة حيث عرضت الآيات صورة لفريقين من الناس: مهتدٍ شرح الله صدره للإسلام فاستنار بأنوار هدايته، وفهم عن ربه مراده من هذا الكتاب الكريم والذكر الحكيم الذي هو أحسن الحديث، وقاسي القلب الذي أعرض عن ذكر الله ولم ينتفع بالقرآن فاستحقَّ الضلالة والعذاب المهين يوم القيامة، كما استحقَّه كلَ ظالم.
وذلك من قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ…) إلى قوله تعالى: (…فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ).
ضرب الأمثال للناس
يتضمَّن القرآن الكريم أمثالاً للناس لعلهم يتذكرون، ومن هذه الأمثال يتَّضح الفرق بين من يعبد إلهاً واحداً، وبين من يعبد آلهة متعدِّدة لا تسمع ولا تجيب، كالعبد الملوك لسيد واحد، والمملوك لعدّة شركاء متخاصمين فيه. وإذ لم ينتفع المشركون بضرب الأمثال اتجهت الآيات الكريمات تتوعدهم بالموت وما سيلقون بعده من حساب وجزاء يوم أن يصدر عليهم أحكم الحاكمين حكمه العادل.
وفي المقابل يحكم الله على المؤمنين أهل الهدى والصدق بفضله ورحمته. وهو الذي يكفيهم ما أهمَّهم في الدنيا ويمنع عنهم ما يخوفونهم به أهل الشرك والضلال.
وذلك من قوله تعالى: (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ…) إلى قوله تعالى: (وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ).
إقامة الحجة على المشركين
عادت الآيات لتقيم الحجة على المشركين باعترافهم أن الله تبارك وتعالى هو الخالق لكلِّ شيء وكان ذلك يقتضي أن يعبدوه وحده، ولكنهم لسفههم وجهالتهم عبدوا معه غيره مما لا يملك لهم ضرَّاً ولا نفعاً! ولمَّا تقرَّر ذلك وجَّه الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم إلى وجوب التوكل عليه وحده، وتفويض الأمر إليه، ومواجهة المشركين وتحديهم وتهديدهم بعد أن بلَّغهم كتاب ربِّهم الذي أنزله لهم بالحقّ ليهتدوا به وهم بعد ذلك وما يشاؤون لأنفسهم من هدىً أو ضلال.
وذلك من قوله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ…) إلى قوله تعالى: (…وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ).
اقرأ أيضًا: موضوعات ومضامين سورة فاطر
تفرد الله بالتصرف في العباد
بيَّنت الآيات تفرّد الله تعالى بالتصرّف بالعباد في حال يقظتهم ونومهم، وفي حال حياتهم وموتهم، وأنه وحده مالك الشفاعة كلها، ومالك السموات والأرض، وإليه مصير الخلائق وحسابهم يوم البعث والمعاد.
أظهرت الآيات بعض صور ضلال المشركين وحماقاتهم وما اقتضاه شركهم، وأنَّه ما على المؤمن وهو يواجه هذه المواقف القبيحة الصعبة إلا التوجه بضراعة وخشوع إلى الله مبدع السموات والأرض، العالم بالسرِّ والعلانية، والحاكم الفصل بين العباد. يومئذ سيكون الحكم على المشركين الذين لو أنّ لهم ملك السموات والأرض لجعلوه فدية لهم من العذاب الشديد.
وذلك من قوله تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ…) إلى قوله تعالى: (وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ).
حال الإنسان بين السراء والضراء
كشفت الآيات الكريمات حال الإنسان وطبيعته، فهو يدعو ربَّه إذا أصابه ضرّ، ويجحده إذا أصابه خير ورخاء زاعماً أن ذلك بجهده ومهارته واستحقاقه، ناسياً أنه إنّما هو ابتلاء له واختبار ليشكر أو يكفر، وهذا هو حال المكذبين الظالمين ودأبهم، لا يقرون بنعمة ربهم، ولا يرون له حقّا، فلم يلبثوا حتى أخذهم الله بذنوبهم فما نفعهم ما كانوا يكسبون عندما نزل بهم العذاب.
ثم أنكر تعالى عليهم انتفاء علمهم أن الرزق بيد الله يبسطه لمن يشاء ويضيّقه على من يشاء، وهذا الإنكار تضمِّن توبيخهم؛ لأنهم تسبَّبوا في انتفاء العلم بسبب إهمالهم النظر في الأدلّة المفيدة للعلم، وصمِّهم آذانهم عن الآيات التي تذكِّرهم بذلك حتى بقوا في جهالة مركبة وكان الشأن أن يعلموا أن الله يعطي الرزق من يشاء، ويمنع من يشاء.
وذلك من قوله تعالى: (فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا….) إلى قوله تعالى: ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).
دعوة للرجوع إلى الله تعالى
من أعظم بشائر القرآن: مغفرة الذنوب بالتوبة وإخلاص العمل، وترغيب وترهيب، وبعدها تعود الآيات إلى بيان دلائل الربوبية وانفراد الله بالخلق والملك والتدبير، وأن ذلك يستلزم إفراده بالألوهية والتوحيد. وذلك من قوله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ…) إلى قوله تعالى: (…. سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ).
أهوال الأخرة ومآل الأشقياء والسعداء
خُتمت سورة الزمر بذكر نفخة الصعق ثم نفخة البعث والنشور في الصور، وما يعقبهما من أهوال، وتحدَّثت عن يوم الحشر الأكبر حيث يساق الأبرار إلى الجنة زُمرًا ، الأشرار إلى جهنم زمرًا في مشهد هائل يحضره الأنبياء والصديقون والأبرار والشهداء، فيتوجَّه الوجود كلّه لله تعالى في خشوع واستسلام. وذلك من قوله تعالى: (نُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ….) إلى قوله تعالى: (…وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
اقرأ أيضًا: أسباب نزول سورة الزمر