مقاصد سورة الصافات
سورة الصافات هي السورة السابعة والثلاثين في ترتيب المصحف الشريف، وبدأت بالقسم بجموع الملائكة ” الصافات”، وتدور مقاصد سورة الصافات حول محور باقي السور المكية؛ فكانت تُعنى بأصول العقيدة الإسلامية التي تهدف إلى تثبيت دعائم الإيمان في صدور المسلمين وترسيخ القيم الإسلامية الحقة.
مقاصد سورة الصافات
يرتكز محور السورة حول الاستسلام الكامل لله تعالى، وتظهر مقاصد سورة الصافات تفصيلًا فيما يأتي:
إعلان وحدانية الله تعالى
تبدأ سورة الصافات بالحديث عن الملائكة عليهم السلام وصفاتهم، وذلك في محاولة لتطهير النفوس من دنس الشرك والمعتقدات الباطلة التي كانت سادة في المجتمع الجاهلي، حيث كان الجاهليون يعتقدون أن هناك قرابة بين الله تعالى وبين عباده من الجن، وأن تلك القرابة نتج عنها وجود الملائكة، فكان اعتقاد المشركين أن الملائكة بنات الله تعالى؛ لذلك تحاول السورة إثبات وحدانية الله تعالى بنفي جميع هذه المعتقدات الباطلة وبيان مدى تهافتها وبطلانها.
أقسم الله تعالى بالملائكة تصف في عبادتها صفوفًا متراصة، وبهم تزجر السحاب وتسوقه بأمر الله، وبهم تلاوة ذكر الله تعالى؛ وكان هذا القسم العظيم للتأكيد على أن الله تعالى هو الإله الواحد، فهو رب السماوات والأرض وما بينهما، ويبين الله حفظه للسماوات من كل شيطان مارد، فلا يُتاح لهم سماع ما يجري في الملأ الأعلى، وإذا حاول أحد الشياطين الاقتراب، فإنه يُقفذ من كل جانب ويهلك ومن ثم يعاقب الله بالعذاب الواصب في الآخرة، إلا من اختطف من الشياطين الخطفة، وهي الكلمة يسمعها من السماء بسرعة، فسرعان ما ينقلها لمن تحته، فربما أدركه الشهاب المضيء قبل أن يلقيها، وربما ألقاها بقدر الله تعالى قبل أن يأتيه الشهاب، فيحرقه فيذهب بها الآخر إلى الكهنة فيكذبون معها مائة كذبة.
وذلك من قوله تعالى: (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا * فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا * فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا) إلى قوله تعالى: (…إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ).
إثبات الميعاد
تُعالج سورة الصافات بعض قضايا علم الغيبات مثل قضية البعث والحساب والجزاء، فيبدأ هذا القسم بطرح سؤال على المشركين منكري البعث: أهم أشد خلقا أم من خلقنا من هذه المخلوقات؟ إنا خلقنا آباهم آدم من طين لزج، يلتصق بعضه ببعض، والقادر على خلق الإنسان ابتداءًا، لا شك أنه قادر على إعادته مرة أخرى، فليس الحديث عن البعث والجزاء بعجيب، ولكن العجيب أنهم يُنكرون ذلك ويسخرون غير مبالين بعقاب الله تعالى.
يُوضح الله تعالى إمكانية وقوع البعث بسهولة فيصفه بأنه مجرد زجرة واحدة، فإذا هم قائمون من قبورهم ينظرون أهوال يوم القيامة، فعندها يكون القضاء بين الخلائق بالعدل الذي كانوا يُكذبون به في الدنيا ويُنكرونه.
وذلك من قوله تعالى: (فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ) إلى قوله تعالى: (هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ).
مسؤولية المشركين وجزاؤهم في الأخرة
تعرض مقاصد سورة الصافات بعد ذلك مسئولية المشركين في الآخرة عن أعمالهم، حيث يُجمع الذين كفروا بالله ونظراءهم وآلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله، فيُساقون سوقًا عنيفًا إلى جهنم لكي يُسألوا عن جميع ما صدر عنهم في الحياة الدنيا، وبعدما صار حتميًا تعذيبهم في النار، فالمقصود من تلك المسآلة هو التبكيت ولتعذيبهم نفسيًا بجانب التعذيب المادي الذي يتعرضون له.
تتناول سورة الصافات بعضًا من مشاهد يوم القيامة حيث يقبل بعض الكفار على بعضهم يتلاومون ويتخاصمون، فيقول الأتباع للمتبوعين: إنكم كنتم تأتوننا من قبل الدين والحق، فتهونون علينا أمر الشريعة، وتنفروننا عنها، وتزينون لنا الضلال، ليرد المتبوعون على الأتباع: ما الأمر كما تزعمون، بل كانت قلوبكم منكرة للإيمان، قابلة للكفر والعصيان، وما كان لنا عليكم من حجة أو قوة، فنصدكم بها عن الإيمان، بل كنتم -أيها المشركون- قوما طاغين متجاوزين للحق، فلزمنا جميعا وعيد ربنا، إنا لذائقو العذاب، نحن وأنتم، بما قدمنا من ذنوبنا ومعاصينا في الدنيا.
وذلك من قوله تعالى: (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ) إلى قوله تعالى: (وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
اقرأ أيضًا: موضوعات ومضامين سورة السجدة
جزاء المؤمنين في الآخرة
تُبين الآيات أن المؤمنين مستثنون من هذا العذاب في الآخرة؛ لأنهم أخلصوا لله العبادة في الحياة الدنيا، فأخلصهم واختصهم برحمته؛ فإنهم ناجون من العذاب الأليم، ويجازيهم الله خير الجزاء على ذلك بأن يكون لهم رزق معلوم غير منقطع، وتُعدد الآيات مظاهر نعيم المؤمنين في الآخرة مثل الفواكه والاتكاء على سرر متقابلين فيما بينهم، ويدار عليهم في مجالسهم بكؤوس خمر من أنهار جارية، لا يخافون انقطاعها، وعندهم في مجالسهم نساء عفيفات، لا ينظرن إلى غير أزواجهن حسان الأعين، ويكفيهم شرفًا فوق كل ذلك أنهم مكرمون عند الله تعالى.
تصور الآيات ما يجري بين المؤمنين في الآخرة، حيث يتساءلون فيما بينهم عن أحوالهم في الدنيا وما كانوا يعانون فيها، وما أنعم الله به عليهم في الجنة، وهذا من تمام الأنس؛ فلمثل هذا النعيم الكامل، والخلود الدائم، والفوز العظيم,،فليعمل العاملون في الدنيا؛ ليصيروا إليه في الآخرة، بدلًا مما يقاسيه الظالمون والكافرون في الآخرة من شتى أنواع العذاب.
وذلك من قوله تعالى: (إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ * أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ) إلى قوله تعالى: (…فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ).
عباد الله المخلصين
تذكر سورة الصافات بعضًا من نماذج عباد الله المخلصين وما أعد الله لهم من الجزاء نظير إحسانهم، وتتضمن تلك النماذج قصص بعض الأنبياء بدءًً بنوح ثم إبراهيم ثم إسماعيل ثم موسى وهارون ثم إلياس ولوط عليهم السلام، كما ذكرت بالتفصيل قصة الإيمان و الابتلاء في حادثة الذبيح إسماعيل عليه السلام، ويُعد هذا الجزء هو الأبرز بين أجزاء سورة الصافات حيث يعد تعليمًا للمؤمنين كيفية الانقياد لأمر الله تعالى والاستسلام له دون جدال.
يبدأ هذا الجزء من قوله تعالى: (إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ * وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ…) إلى قوله تعالى: (فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ).
مناقشة عقائد المشركين
تناقش الآيات عقائد أهل الشرك بشيء من التفصيل لكي تُبين بالحجة والبراهين عناد الكافرين بتمييزهم البنات على البنين وقولهم الملائكة بنات الله، واشتملت الآيات على تعجيز المشركين، حيث يُفترض بهم أن يكون لهم يقين من قولهم أن لله تعالى ولد، فإن كان لهم دليل؛ فليعرضوه علينا، ومن ثم تُنزه الآيات الله تعالى عن هذا الشرك، وتؤكد الآيات أن المشركين وما يعبدون من دون الله من آلهة لن يستطيعوا أن يُضلوا أحدًا إلا من قدر الله عز وجل عليه أن يصلى الجحيم؛ لكفره وظلمه، وانتهى ذلك الجزء بتخويف المشركين من جرم ما يعتقدون وما يقولون في حق الله تعالى.
وذلك من قوله تعالى: (فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ …) إلى قوله تعالى: (…فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)
نصر جند الله تعالى
خُتمت سورة الصافات ببيان نصرة الله لأنبيائه و أوليائه في الدنيا والآخرة، وفي هذا البيان تسلية وتثبيت لقلب النبي والمؤمنين؛ لذلك يجب على المؤمنين عند الانصياع للمشركين وعقائدهم، وضرورة التحلي بالصبر حتى يأتي نصر الله تعالى؛ فالعاقبة في نهاية الآمر للمتقين.
يبدأ هذا الجزء من السورة من قوله تعالى: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ* إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ) إلى قوله تعالى:(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
اقرأ أيضًا: فوائد النجوم في سورة الصافات