موضوعات ومضامين سورة يس
بدأت سورة يس بالحرفين “الياء، والسين”، وليس في القرآن كله سورة تبدأ بهذه الأحرف وعلى هذا الشكل إلا هذه السورة، ولهذا سُميت بهذا الاسم (يس)، ونزلت هذه السورة في مكة المكرمة؛ ولذلك تتميز موضوعات ومضامين سورة يس بخصائص السور المكية؛ فهي تركز في محتواها على العقيدة، والإيمان بكل من الجنة، والنار، وما يسبقهما من البعث والجزاء والحساب.
موضوعات ومضامين سورة يس
اشتملت سورة يس على العديد من الموضوعات التي اتسمت في مجملها بالصياغة المترابطة والسلسة، وإبرازها الصور والمشاهد التي غفل عنها الإنسان، كمشاهد يوم القيامة، والكون وما به من معجزات مفصلة على الرغم من أن البَشر يرونها من حولهم على مر العصور، وتتمثل موضوعات ومضامين سورة يس في:
القسم بالقرآن الكريم وحال النبي مع قومه
استُهلت سورة يس بالقسم بالقرآن الكريم للتأكيد على صحة الوحي وصدق رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يسير على صراط الله المستقيم، وأن هذا القرآن مُنزّل من الله تعالى لكي يُنذر قومًا لم يسبق إنذارهم من قبل، وقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون بسبب غفلتهم وإصرارهم على التكذيب، ورغم ذلك تؤكد الآيات على أهمية الاستمرار في الدعوة وتبليغ الرسالة؛ لأن الناس مهما كانوا بعيدين عن الحق فقد تكون قلوبهم حية وقد تستجيب للدعوة في وقت ما، وقد وعد الله المستجيبين للدعوة ممن يخشون ربهم بالغيب بالمغفرة والأجر الكريم، ثم اخُتتم هذا الجزء من سورة يس بالحديث عن قدرة الله تعالى على الإحياء والإماتة وإحصاء الله لجميع أفعال العباد.
يبدأ هذا الجزء من قوله تعالى: (يس {1} وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ {2} إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ {3}) إلى قوله تعالى : (… وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ).
قصة أصحاب القرية
ساقت قصة أهل القرية “إنطاكية” الذين كذبوا بالرسل، وذلك من أجل التحذير من التكذيب والترهيب من عاقبته، وتذكر السورة الكريمة أن نبي الله عيسى عليه السلام قد بعث رسولين من الحواريين إلى قرية، إلا أن أهلها كذبوهما، وتمادوا إلى درجة حبسهم، وتعذيبهم، ثم أرسل إليهم رسول ثالث؛ تعزيزًا وتقويةً لهما، وكان مؤمن آل يس حبيب النجار قد آمن بالرسل عند قدومهم إلى القرية، حيث كان يسكن عند أقصى باب لها، وعندما علم بفِعل أهل القرية، ونيتهم في قتل الرسل، جاء إليهم ونصحهم أن يؤمنوا بهما، ويتبعوا هداهم، إلا أن أهل القرية حملوه إلى الملك الذي استنكر إيمانه، فأصر مؤمن آل يس على إيمانه مُعلِنًا ذلك أمام أهل القرية والملك، فقتلوه، فأنزله الله منزل صِدق وأدخله الجنة، وغضب الله على أهل هذه القرية؛ لأنهم استضعفوا حبيب النجار؛ فأهلكهم وأبادهم بصيحة لم يُبقِ بها منهم أحدًا.
وذلك من قوله تعالى: (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ) إلى قوله تعالى : (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ).
آيات من قدرة الله
استعرضت الآيات مظاهر قدرة الله تعالى في الكون للدلالة على وحدانيته، حيث بدأت بوصف مشهد الأرض الجرداء التي تدب فيها الحياة بإرادة الله تعالى عندما ينزل المطر فتخرج الحب الذي يأكل منه الناس، كما يجعل في هذه الأرض جنات من نخيل وأعناب ويفجر فيها من العيون حتى يأكل الناس مما عملته أيديهم، والواجب على العباد حيال كل تلك النعم وآيات الله الكونية أن يؤمنوا بوجود ووحدانيته مع شكره على نعمه التي لا تُعد ولا تُحصى.
تستمر الآيات في عرض مشاهد قدرة الله تعالى مثل انسلاخ النهار من الليل وتعاقبهما إضافةً إلى جريان الشمس لمستقر لها وتقدير منازل القمركل يوم له منزلة غير المنزلة الأخرى فيعود في آخر الشهر كما هو في أوله كالعرجون القديم الذي هو العود الأصفر الذي يحمل العنقود؛ لأنه إذا قَدِم يلتوي ويضعف وهكذا القمر؛ ومن حكمة الله تعالى أن تسير كل تلك المخلوقات في نظام دقيق دون إخلال، كما اشتملت الآية على بيان رحمة الله تعالى بحمل الناس في الفلك وخلق الأنعام.
يبدأ هذا الجزء من قوله تعالى: (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ) إلى قوله تعالى: (إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ).
اقرأ أيضًا: موضوعات ومضامين سورة الكهف
إعراض الكفار عن الحق
تتحدث الآيات باستفاضة عن أشكال إعراض وتكذيب الكفار، فلا يستجيبون إلى توجهيهم إلى التقوى ولا يخضعون لما يأتيهم من الآيات وعندما يُطالبهم أحد بالإنفاق في سبيل الله يقولون أنطعم من لو يشاء الله أطعمه، ولا يقفون عند هذا الحد، بل إنهم ينكرون قيام الساعة ويستهزأون بأمر البعث، فيقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين، ويرد الله عليهم بأن أمر الساعة هين، فما هو إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون، فعندها لا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون، وليس في ذلك هضمًا لحقوقهم، بل يُجازيهم الله جزءًا عادلًا على ما كانوا يعملون. وذلك من قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) إلى قوله تعالى: (فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
جزاء الأبرار المتقين والأشرار المجرمين
تناولت الآيات جزاء فريقين من الناس، الفريق الأول هم أصحاب الجنة من الأبرار المتقين، فوصفهم الله بأنهم في شغل فاكهون يتكئون على الأرائك هم وأزواجهم ويستمتعون بأكل الفواكه وكل ما يدعون، بينما يُجازى الأشرار المجرمون على اتباعهم للشيطان رغم تحذير الله من ذلك، فمصيرهم هو جهنم يصلونها بما كانوا يكفرون، حيث يُختم على أفواههم وتتحدث أيديهم وأرجلهم بما كانوا يكسبون. وذلك من قوله تعالى: ( إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ) إلى قوله تعالى: (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ).
نِعم الله تعالى على عباده
في سياق الحديث عن نعم الله تعالى، تنفي الآيات علاقة النبي صلى الله عليه وسلم بالشعر مع نفي أن ما جاء به شعرًا بل هو ذكرٌ وقرآن مبين أنعم الله به على عباده لإنذار الأحياء وإحقاق القول على الكافرين، ومن ثم تخوض الآيات في غمار آخر، ومن أبرز مظاهر نعم الله على عباده خلق الأنعام، وتذليلها للركوب واستخدامها في الأكل، ومن العجيب أن العباد لم يُقابلوا كل تلك النعم بالإيمان والشكر، بل قابلوها بالشرك واتخاذ آلهة من دون الله لا يملكون نفعًا ولا ضرًا. ويظهر هذا الجزء من السورة من قوله تعالى: ( وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) إلى قوله (فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ).
إقامة الدليل على البعث والنشور
خُتمت بالحديث عن البعث والجزاء، و أقامت الأدلة والبراهين على حدوثه، مبينة قدرة الله تعالى في الكون، فالله الذي أنشأ الإنسان أول مرة قادر على إحياء الموتى في الآخرة، ومن أعظم مظاهر القدرة أن الله تعالى إذا قضى أمرًا، فإنما يقول له “كن” فيكون. ويتجلى هذا الجزء الأخير من السورة من قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) إلى قوله تعالى : (فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ).
اقرأ أيضًا: أحاديث عن سورة يس