موضوعات ومضامين سورة فاطر
سورة فاطر هي إحدى السورة التي نزلت على النبي بمكة المكرمة؛ لذلك ترتكز موضوعات ومضامين سورة فاطر حول تقرير العقيدة، وسُميت السورة بذلك؛ لذكر هذا الاسم الجليل والنعت الجميل في طليعتها لما في هذا الوصف من الدلالة على الإبداع والاختراع لا على مثال سابق ولما فيه من التصوير الدقيق المشير إلى عظمة ذي الجلال وباهر قدرته وعجيب صنعه فهو الذي خلق الملائكة وأبدع تكوينهم بهذا الخلق العجيب.
موضوعات ومضامين سورة فاطر
يتمثل الغرض من سورة فاطر في هدم قواعد الشرك والتذكير بنعم الله تعالى وتطهير النفوس من الراذئل، وجاءت موضوعات ومضامين سورة فاطر تفصيلًا على النحو التالي:
الثناء على الله
بدأت سورة فاطر بالثناء على الله تعالى الذي فطر الأكوان وخلق السماوات والأرض وجعل الملائكة رسلًا ذوي أجنحة، وتدل الآيات على أن الله هو من يعطي الناس من فضله، فإذا أراد أن يفتح للناس رحمة، فلن يستطيع أحد أن يمسك رحمته، وإن أراد أن يُمسك، فلا مرسل له من بعده، وتقضي هذه الدلائل على القدرة أن يذكر الناس نعم الله عليهم، فهو الذي يرزقهم من السماء والأرض ولا إله لهم سواه وإليه يرجع الأمر كله. وذلك من قوله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) إلى قوله تعالى: (وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ).
التحذير من الدنيا والشيطان
بعدما أثنت الآيات على الله تعالى، جاءت الآيات لتحذر من السعي وراء فتن الدنيا وشهواتها؛ لأن نعيمها زائل، وما ينبغي أن تغر الحياة الدنيا الإنسان المؤمن، كما تضمنت الآيات تحذيرًا من الركون إلى الشيطان واتباع خطواته؛ لأنه يبعد العبد عن طريق الله المستقيم، ومن هنا اهتمت الآيات بتذكير الإنسان بالعداوة القديمة التي بين بني آدم وبين إبليس.
انتقل الحديث عن الكافرين الذين اغتروا بالدنيا واتبعوا خطوات الشيطان، حيث توعدهم الله بالعذاب الشديد، وفي المقابل وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالمغفرة والأجر الكبير جزاءً لهم على امتثالهم لأمر الله تعالى، ومن ثم قدمت الآيات المواساة للنبي صلى الله عليه وسلم ومسحت النصب عن جبينه نتيجة ما يتعرض له من تكذيب أهل قريش بشكل مستمر، وتطلب الآيات من الرسول ألا يذهب نفسه حسرات عليهم؛ لأنهم هم من اختاروا مصيرهم بأيديهم.
يبدأ هذا الموضوع من قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ) إلى قوله تعالى: (….فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ).
آيات الله في الكون
تعنى السورة في هذا القسم بإثبات البعث والحساب؛ ولذلك تضمنت السورة العديد من الآيات الكونية مثل إرساله للرياح والتي بدورها تثير سحابًا يحمل المطر إلى الأرض الميتة فيُحييها وكذلك يُحيي الله الموتى حتى يُحاسبهم، كما أن الله تعالى هو الذي خلق الإنسان من تراب ثم من نطقة ثم جعل الناس أزواجًا حتى يتناسلوا ويتكاثروا، وتدل الآيات على عظيم علم الله تعالى، فما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه كما يعلم الله آجال الناس وأعمارهم، ويتابع الحديث حول آيات الله الكونية، فهو الذي جعل الماء بعضه عذبًا وبعضه مالحًا، وجعل الليل والنهار متعاقبين، وسخر الشمس والقمر، والعجيب أن الإنسان رغم رؤيته لكل تلك الآيات، يتخذ من دون الله شركاء إذا دعاهم لا يسمعونه، وإذا سمعوه، لم يقدروا على إجابة دعاه.
وذلك من قوله تعالى: (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ…) إلى قوله تعالى: (إِن تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ).
غنى الله وعدله
ذكّر الله تعالى عباده في الآيات بحاجتهم إليه واستغنائه جل وعلا عن جميع الخلق، وضرب الأمثال للتفريق بين المؤمن والكافر بالأعمى والبصير والظلام والنور، وتابعت الآيات تذكر المهام المطلوبة من الأنبياء والمرسلين، حيث يقتصر دورهم عند التبشير والإنذار مع التأكيد على أن الله تعالى لا يأخذ أمة بالعذاب إلا بعد أن يُرسل إليهم النذير حتى يُقيم عليهم الحجة، فإن كذبوا بعد إرسال الرسل، فقد حق عليهم العذاب. من قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) إلى قوله تعالى : (..ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ).
اقرأ أيضًا: موضوعات ومضامين سورة الفرقان
نعمة القرآن ومصير المؤمنين
حثت على تلاوة كتابه الكريم وإقامة الصلوات والإنفاق في سبيل الله تعالى، وجعلت تلك الأعمال الصالحة صفاتٍ للمؤمنين الذين وعدهم الله تعالى بالنعيم في الآخرة، واعتنت الآيات ببيان نعمة القرآن الكريم واختلاف أحوال الناس في التعامل معه، فمنهم ظالم لنفسه ومنهم المقتصد، ومنهم السابق بالخيرات؛ لذلك فهذا الكتاب بمثابة الكنز الذي يجب استغلاله لدخول جنات عدن حيث يُحلى فيها المؤمنون أساور من ذهب ولؤلؤًا ولباسهم فيها حرير كما يُذهب الله عنهم كل حزن أو تعب ليحظوا بالسعادة المادية والنفسية.
وذلك من قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ) إلى قوله تعالى: (الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ).
مصير الكافرين
حذّرت الآيات من المصير الذي يلقاه الكافرون حيث يدخلون نار جهنم خالدين فيها أبدًا، فلا يُقضى عليهم فيموتوا ولا يُخفف عنهم العذاب، ويُعد هذا عذابًا عادلًا للكافرين نظير إنكارهم للرسالة وعنادهم وشركهم بالله تعالى، وتُذكر الآيات بتمني الكافرين الخروج من النار لكي يعلموا صالحًا ولكن يرد الله عليهم بأنه عمّرهم في الدنيا وجاءهم النذير، فلم يعتبروا، فاستحقوا العذاب.
وفي ذلك السياق، يُوضح الله بعضًا من دلائل وشواهد القدرة ليؤكد أن من يكفر فعليه كفره، ولن يزيد هذا الكفر الكافرين عند ربهم إلا مقتًا ولن ينفعم بشيء، بل سيزيدهم خسارًا على خسرانهم، وقد تضمنت الآيات أسباب صدود المشركين، فأخبرت أنهم أقسموا بالله جهد أيمانهم أنهم كانوا ينتظرون النذير ليكون أهدى الأمم، ولكن أثبتت الأيام كذبهم، فلما جائهم النذير ما زادهم إلا نفورًا وإعراضًا عن طريق الله عز وجل وذلك لاستكبارهم ولمكرهم السيء ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله؛ ولذلك نالهم ما نال الأمم السابقة من العقاب.
وذلك من قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ) إلى قوله تعالى: (…فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلا).
دعوة للسير في الأرض والنظر
تُختم سورة فاطر بالدعوة إلى السير في الأرض والنظر في عاقبة المكذبين للاعتبار، مع التأكيد على سنة الله في عدم الاستعجال بأخذ الناس بالعذاب ومعاملته للعباد بالفضل لا بالعدل، ولو عامل سبحانه عباده بالعدل، لم يَسْلَم من عذابه أحد من الإنس والجان؛ ولذلك يؤخرهم الله إلى أجل مسمى، وعندما يجيء هذا الأجل، فيجازيهم بما عملوا، فهو المطلع على ما كانوا يعملون. قال تعالى: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا).
اقرأ أيضًا: أسباب نزول سورة فاطر