موضوعات ومضامين سورة القصص
تُعتبر سورة القصص سورة مكية باستثناء آية أو آيتين في أواخر السورة نزلتا في المدينة المنورة، حيث تعبر موضوعات ومضامين سورة القصص عن خصائص السور المكية في ذكر قصص الأمم السابقة ومواجهة المشركين وتحدّيهم، وتحقق وعد الله تعالى بظهور الأنبياء والمرسلين على أعدائهم بعد أن تعرضوا إلى التكذيب والإيذاء.
موضوعات ومضامين سورة القصص
تتفق سورة القصص في أهدافها مع سورتي النمل والشعراء وهي تكمل أو تفصل ما أُجِمل في السورتين قبلها، ولذلك جاءت موضوعات ومضامين سورة القصص كالتالي:
طغيان فرعون ووعد الله تعالى للمستضعفين
تبدأ سورة القصص بالحديث عن عظمة القرآن الكريم الذي يشتمل على العديد من القصص ذات العبر العظيمة ومن ذلك قصة موسى عليه السلام مع فرعون، حيث تتناول الآيات مظاهر طغيان فرعون وعلوه في الأرض وإفساده، حيث جعل أهل مصر شيعًا وفرق بينهما، فاستضعف بني إسرائيل وبدأ في ذبح الأبناء واستحياء النساء إنه كان من المفسدين، ولكن الآيات اشتملت على وعد الله تعالى للمستضعفين والمضطهدين حيث أراد الله أن يجعلهم أئمة يرثون الأرض، بينما يُري الله فرعون وهامان وجنودهما ما كانوا يخشونه وقاموا بكل تلك الفظائع خوفًا من وقوعه. وذلك من قوله تعالى: (طسم {1} تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ {2}..) إلى قوله تعالى : ( … وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ {6}).
ميلاد موسى ونجاته من القتل
انتقلت الآيات بعد ذلك للحديث عن ميلاد نبي الله موسى ونجاته من التعرض للقتل مثل سائر أبناء بني إسرائيل، وتُعتبر قصة ميلاد موسى وإنقاذه واحدة من أعظم المعجزات لأنها كانت الخطوة الأولى لتحقيق مراد الله تعالى الذي يحدث ولكن عبر عدة خطوات ويستغرق زمنًا طويلا، وذلك بقوله تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ{7}) فتبدأ الخطوة الأولى بأم ترضع أبنها وبقصة مولد أمّة بطفل يرمى في البحر بعدما أرضعته أمه، فما هذه الثقة بوعد الله من أم موسى التي يوحي لها تعالى أن إذا خفت عليه ألقيه في اليم؟ أي أمٍ يمكن أن تفعل هذا؟ هي أم موسى لأنه تعالى قال وقوله حق ووعده حق: (إنا رادّوه إليك) ثم يلتقط موسى الرضيع أشد أعدائه فيقذف تعالى حب موسى في قلب امرأة فرعون، وهنا لا بد من الإشارة أن للمرأة في قصة سيدنا موسى دور كبير بارز ومؤثر جدًا: من أمه التي أطاعت وحي الله، إلى زوجة فرعون التي ربّته كابنها، إلى أخت موسى (فبصرت به عن جنب) التي دلّت آل فرعون على أهل بيت يكفلونه (أي أمه) وانتهى هذا الجزء من السورة بقوله تعالى: (فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ {13}).
اللجوء إلى مدين وزواج موسى عليه السلام
تحدثت الآيات بعد ذلك عن بلوغ موسى عليه السلام واتصافه بالحكمة والعلم وكذلك يجزي الله عباده المحسنين، ومن ثم تعرض السورة قصة قتل موسى للقبطي خطأً عند استنصره الذي من شيعته على الذي من عدوه، وعندما بلغ الخوف بموسى عليه السلام مبلغه آثر اللجوء إلى مدين والفرار من أرض مصر بعدما جاءه النبأ بأن الملأ يأتمرون عليه ليقتلوه، وهناك في أرض مدين ظهر دور المرأة من جديد في حياة موسى حيث التقى بابنة شعيب عليه السلام وسقى لها، فطلبت من أبيها أن يستأجره، وبالفعل استقر موسى في أرض مدين وتزوج من ابنة نبي الله شعيب. وذلك من قوله تعالى: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا {14}) إلى قوله تعالى: ( وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ {28}).
بعثة موسى وهارون عليهما السلام وتأييدهما
اشتملت الآيات بعد ذلك على النداء الذي تلقاه نبي الله موسى وهو بالواد المقدس طوى، وكان ذلك النداء من الله عز وجل، وقد أيده الله بمعجزتي العصا واليد، ثم أمره بالذهاب إلى أرض مصر من أجل دعوة فرعون وقومه، ولكن نبي الله موسى كان ما يزال خائفًا من الملأ لأنه قتل منهم نفسًا كما كان في حاجة إلى العون الذي يتمثل في أخيه هارون، وبالفعل تحقق وعد الله له بقوله تعالى: (قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ {35}) ومن ثم بدأت دعوة نبي الله موسى، ولكنه لاقى أشد التكذيب من فرعون الذي كان يزعم أنه الإله الواحد؛ ولذلك استكبر هو وجنوده بغير الحق وأنكروا ألوهية الله تعالى وقدرته على البعث؛ ليتحقق وعد الله تعالى بإهلاك فرعون وقومه ونصرة موسى وبني إسرائيل وحلول العقاب بهما في الدنيا والآخرة. (وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ {42}).
إيتاء التوراة لموسى والقرآن لمحمد عليهما السلام
ذكرت الآيات نعمة الله تعالى على موسى كليم الله من إنزال التوراة من بعد ما أهلك فرعون وقومه، ثم ذكرت نعمته تعالى على العرب بإنزال القرآن العظيم خاتم الكتب السماوية. وأخبرت عما يوبّخ به تعالى المشركين يوم القيامة، فعندما كانت تحل بهم المصائب بما قدمت أيديهم إذا هم يقولون ربنا لولا أرسلت إلينا رسولًا فنتبع آياتك، فلما جاءهم محمد عليه الصلاة والسلام إذا هما يقولون لولا جاء بالمعجزات كما جاء بها موسى، أو لم يكفروا بما أُوتي موسى من قبل! ومن ثم عرجت الآيات على المؤمنين من أهل الكتاب الذين صدقوا رسالة الإسلام بمجرد علمهم بها؛ ولذلك وعدهم الله بأن لهم الأجر مرتين نتيجة إيمانهم بجميع الرسالات الإلهية وصبرهم على خروج النبي الخاتم، ثم انتهى ذلك الجزء بتحذير كفار قريش من الركون إلى الدنيا والاستمرار في الغفلة. وذلك من قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ… {43}) إلى قوله تعالى (… ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ {61}).
اقرأ أيضًا: موضوعات ومضامين سورة طه
توحيد الله تعالى
تناولت الآيات نداء الله تعالى للمشركين يوم القيامة لكي يأتوا بآلهتهم المزعومة، وعندها أُسقط في يد المشركين عندما دعوا هؤلاء الشركاء فلم يستجيبوا لهم فرأوا العذاب، وذلك لأن الله هو الإله الواحد المستحق للحمد في الأولى والآخرة، وقد تضمنت الآيات عدة دلائل على وحدانية الله تعالى وقدرته. وذلك من قوله تعالى: (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ {62}) إلى قوله تعالى: (… فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ {75}).
قصة قارون وعاقبة البغي والتكبر
أخبرت الآيات عن قصة قارون واختياله وفخره على قومه وبغيه عليهم، وتسببه في فتنة الناس الذين تمنوا أن يكون لهم مثلما أُوتي قارون، ثم أعقبت الآيات ذلك ببيان ما تعرض له قارون من خسف به وبداره الأرض، من أجل التأكيد على أن الدار الآخرة وما فيها من نعيم قد جعله الله لعباده المؤمنين المتواضعين وبيان الجزاء العادل يوم القيامة، وتبدأ قصة قارون من قوله تعالى: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ …{76}) إلى قوله تعالى: (… وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {84}).
بشارة النبي بالعودة إلى مكة سالمًا
خُتمت السورة بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بإبلاغ الرسالة وبإخباره أنه سيرده إلى مكة سالمًا، وقد تحقق هذا الوعد وفتح الرسول صلى الله عليه وسلم مكة وأسلمت الجزيرة العربية، وتحقق وعد الله تعالى لرسوله محمد كما تحقق وعد الله لموسى عليه السلام وأمه في بداية السورة، كما أن في الآيات إشارة إلى رد النبي إلى المعاد الأكبر وهو يوم القيامة حينما يسأله الله تعالى عما استرعاه من أعباء النبوة. وذلك من قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ… {85}) إلى قوله تعالى : (وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ {88}).