موضوعات ومضامين سورة الفرقان
سورة الفرقان هي السورة الخامسة والعشرون من سور القرآن الكريم، تسبقها سورة النور وتليها سورة الشعراء، وتقع في الجزء التاسع عشر وعدد آياتها سبع وسبعون آية، وهي من السور المكيَة، وتتمحور موضوعات ومضامين سورة الفرقان حول الاستدلال على صدق الرسول من خلال معجزة القرآن الكريم من خلال دفع الشبهات التي يُثيرها المشركون.
موضوعات ومضامين سورة الفرقان
تتضمن سورة الفرقان الحديث عن التوحيد والنبوة والمعاد، وتتمثل موضوعات ومضامين سورة الفرقان تفصيلًا في:
صفات الإله الحق وعجز الآلهة المزيفة
بدأت سورة الفرقان بالحديث عن القرآن الذي جعله الله فرقانًا يحمل النذير للعاملين لكي يُسارعوا بالإيمان بالله وحده الذي له ما في السماوات وما في الأرض، وقد تضمنت الآيات تأكيدًا على أن الله تعالى واحد أحد لم يتخذ ولدًا ولم يكن له شريك في الملك، وأنه الخالق لكل شيء، ورغم ذلك فإن المشركين قد اتخذوا آلهة من المخلوقات لا يخلقون شيئًا ولا يملكون نفعًا ولا ضرًا، مما يدل على غفلة المشركين وبطلان عقيدتهم. وذلك من قوله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً {1}) إلى قوله تعالى: ( .. وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا {3}).
شبهات المشركين حول القرآن وردها
تستعرض الآيات بعد ذلك الشبهات التي يختلقها المشركون حول القرآن الكريم حيث قالوا عنه أنه إفك افتراه النبي صلى الله عليه وسلم بمعاونة آخرين، ويرد الله تلك الشبهات المنكرة، فالقرآن الكريم منزل من عند الله تعالى وليس مختلقًا من قبل البشر كما أنه ليس بأساطير الأولين. وذلك من قوله تعالى: (وقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ… {4}) إلى قوله تعالى: (…إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا {6}).
شبهات المشركين حول الرسول وردها
تضمنت الآيات بعض الشبهات التي يُثيرها المشركون حول الرسول صلى الله عليه حيث قالوا عنه أنه ليس مُرسلًا من الله، وذلك لاعتقادهم بأنه إذا كان مرسلًا حقًا لجاء معه ملك ليُنذر الناس أو يلقي إليه كنز أو يكون من أصحاب الجنات، ورد الله سبحانه وتعالى على ذلك بأنه قادر على أن يجعل للنبي قصورًا وجنات تجري من تحتها الأنهار. وذلك من قوله تعالى: (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ ..{7}) إلى قوله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاء جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِّن ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورًا {10}).
الدوافع الخفية وراء التكذيب
تُوضح الآيات الدوافع الخفية التي تدفع المشركين للتكذيب بالرسالة النبوية مع توضيح العذاب الذي أعده الله لهم نظير ذلك التكذيب والإنكار، فقد أعد الله لهم سعيرًا في مقابل ما يلقاه المؤمنون المتقون من نعيم نظير إيمانهم حيث أعد الله لهم جنات الخلد، فعندها يندم المشركون على الإنكار واتخاذ الشركاء من دون الله، ولكن لم يعد الندم نافعًا. وذلك من قوله تعالى: (بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا {11}) إلى قوله تعالى: (وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا {19}).
سنة الله في اختيار المرسلين وعادة المكذبين
تتحدث الآيات بعد ذلك عن سنة الله في اختياره للمرسلين وكونهم من البشر الذين يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، وعادة المكذبين في الاستكبار واقتراح نزول الملائكة للإنذار، وقد رد الله عليهم بأنه إذا أنزل الملائكة، فعندها لا يكون هناك بشرى للمجرمين والمكذبين حيث يقدم إلى ما عملوا من عمل فيجعله هباءً منثورا، ومن ثم يعض الظالم على يديه ويتمنى لولم يتبع الشيطان ولم يتخذ فلانًا خليلًا لأنه كان سبب في إضلاله عن ذكر الله تعالى ولكن عادة الشيطان أن يخذل أتباعه بعد إغوائهم. وذلك من قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ… {20}) إلى قوله تعالى: (…. وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولا {29}).
شكوى الرسول من قومه وتسليته
تتناول الآيات بعد ذلك شكوى الرسول من قومه المكذبين له والذين هجروا القرآن الكريم، ومن ثم تضمنت الآيات تسلية لقلب النبي ووعده بالنصر مثلما حدث مع الأنبياء السابقين مثل موسى ونوح وهود وصالح عندما تعرضوا للتكذيب من قومهم. وذلك من قوله تعالى: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا {30}) إلى قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُوراً {40}).
الاستهزاء والسخرية سلاح العاجز
ذكرت الآيات طرفاً من استهزاء المشركين وسخريتهم بالرسول صلى الله عليه وسلم، فلم يقتصروا على تكذيبه فحسب، بل زادوا عليه بالاستهزاء والاحتقار، وتُوضح تلك الآيات عجز المشركين لأنهم لا يستطيعون الرد على ما جاءت به الرسالة؛ فاستعانوا بالسخرية لمواجهتها. وذلك من قوله تعالى: (وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً {41}) إلى قوله تعالى: (إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا {44}).
الحقائق الكونية في القرآن من دلائل النبوة
اعتنت سورة الفرقان بالتأكيد على صحة النبوة وصدق الرسالة وذلك من خلال عرض بعض الحقائق الكونية التي تدل على قدرة الله تعالى ووحدانيته وآثار خلقه في الكون البديع. وذلك من قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ…{45}) إلى قوله تعالى: (…وكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا {55}).
مهمة الرسول ونهجه في دعوة المعاندين
تؤكد الآيات بعد ذلك على أن مهمة الرسول تتمثل في التبليغ والتبشير والإنذار، وعليه أن يتبع منهج التوكل على الله في دعوته للمعاندين؛ لأن في ذلك تثبيت لفؤاده نظرًا لعلمه بأن الله هو الخالق للسماوات والأرض وما بينهما وهو المالك لكل شيء، فلا يجزع عندما يواجه عناد المشركين. وذلك من قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا {56}) إلى قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا {62}).
ثمرات الرسالة الربانية
خُتمت موضوعات سورة الفرقان ببيان ثمرات الرسالة الربانية وذلك من خلال عرض صفات عباد الرحمن وما أكرمهم الله به من خصال حميدة استحقوا عليها عظيم الأجر في جنات النعيم خالدين فيها، وذلك من قوله تعالى : (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا{63}) إلى قوله تعالى : (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً {77}).
اقرأ أيضًا: موضوعات ومضامين سورة الإسراء
لطائف سورة الفرقان
إن القران الكريم هو معجزة كل زمان ومكان، ولعل أعظم ما جاء به من المعجزات هو إعجازه البياني والبلاغي الذي يجعل العقل البشري في ذهول من بديع ما يسمع ويرى من معجزات القران الكريم، وقد اختص أهل التفسير البياني بدراسة القران الكريم من الناحية اللفظية والبيانية، وكان مما جاء من لطائف في سورة الفرقان ما كان من تأملات ولمسات بيانية في أول اياتها في قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}، فالفرقان هو صفةٌ أطلقها الله -سبحانه وتعالى- على القرآن الكريم لأنه يفصل ويفرق بين الحق والباطل، ولهذا أصبحت صفة الفرقان هي اسمًا من أسماء القرآن الكريم.
ويلاحظ في القران الكريم أن لفظ “الفرقان” لم يطلق على القران الكريم فقط، بل إن الله تعالى أطلق لفظ وصفة الفرقان على كل ما يفصل ويفرق بين الحق والباطل، كما أن أهل التفسير قالوا إن معنى “الفرقان” في بعض الايات جاء بمعنى المعجزات والبراهين التي تدل على صدق النبي وتميز وتفرق بين الحق الذي بين يديه وبين الباطل والفساد في الأرض، ومثال ذلك قوله تعالى: {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}، فلفظ “الفرقان” هنا لم يأتي بمعنى الكتاب كالتوارة والقرآن لأن الله تعالى قد ذكر الكتاب، بل أتى بمعنى المعجزات والدلائل والبراهين التي أيّد موسى -عليه السلام- بها لعل قومه يهتدون إلى سبيل الصواب، والله تعالى أعلم.
اقرأ أيضًا: أسباب نزول سورة الفرقان