موضوعات ومضامين سورة النحل
نزلت سورة النحل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة، وقد سُميت بهذا الاسم بسبب أن الله -جل وعلا- قد ذكر النحل في إحدى آياتها التي تشير إلى بديع الله في خلقه، و عالجت موضوعات ومضامين سورة النحل قضايا العقيدة الكبرى (الألوهية، والوحي، والبعث والنشور) وإلى جانب ذلك تحدثت عن دلائل القدرة والوحدانية في هذا العالم الفسيح وهي صور دالة على وحدانية الله تعالى وعظيم نعمه.
موضوعات ومضامين سورة النحل
يبلغ عدد آيات سورة النحل مائة وثمانية وعشرين آية كريمة، وتتمثل موضوعات ومضامين سورة النحل في:
إثبات وحدانية الله تعالى
تناولت آيات سورة النحل في البدء الحديث عن قدرة الله تعالى وإبداعه في خلق الكون، وقد ذكرت الآيات بعض الأدلة المؤكدة على وحدانية الله تعالى مثل خلقه للسماوات والأرض، وخلق الإنسان من نطفة وفي ذلك أقوى دليل على إمكانية البعث؛ لأن القادر على البدء قادرٌ على الإعادة، كما تحدثت الآيات عن نعمه تعالى على الإنسان التي لا تعد ولا تحصى مثل خلق الأنعام وإنزال الماء من السماء لإحياء الأرض بعد موتها وإخراج الثمرات فضلًا عن تسخير الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم والبحار والأنهار للإنسان مع إلقاء الرواسي في الأرض لتثبيتها وبسط السبل، فعلى الإنسان أن يتدبر في جميع هذه النعم ويدرك أن الخالق هو الجدير بالعبودية؛ فلا يمكن المساواة بين من يخلق وما لا يخلق. وقد ظهرت تلك المضامين من قوله تعالى : (أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ {1}) إلى قوله تعالى : (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ {18}).
الله الخالق المنعم القادر وعجز المعبودين غيره
استنكرت الآيات ضلال الكفرة واتباعهم للباطل رغم النعم العظيمة التي أنعم بها تعالى عليهم، وذكّرتهم بحال من قبلهم وعقابهم، وأنذرتهم بالعقاب الشديد في الآخرة، ومن أبرز المضامين التي اشتمل عليها هذا القسم بيان عظمة الخالق وتوحيده بأنه وحده الله الخالق لكل هذه النعم وهو من يستوجب عبادته فقد قال -جل وعلا-: {إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ}، فالمؤمنون يشكرون الله على نعمه ويؤمنون باليوم الآخر والكفار والمشركون وحدهم من ينكر نعمه ويستكبر على عبادته. ويبدأ هذا الموضوع من قوله تعالى : (وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ {19} وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ {20}) إلى قوله تعالى : (فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ {29}).
مدح المتقين
ذكرت الآيات ما أعده للمتقين من وجوه التكريم في دار النعيم، ليظهر الفارق بين حال أهل السعادة وحال أهل الشقاوة وبين الأبرار والفجار على طريقة القرآن في المقارنة بين الفريقين، وكان الوعد الذي وعده الله للمتقين أن يدخلوا جنات عدن تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاءون كما تتلقاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم، وقد تضمنت الآية الحديث عن الصابرين الذين يتوكلون على الله مع بيان بعض صفات عباد الله المتقين الذين يسجدون لله سواء كانوا في السماوات أو الأرض أو الملائكة، فجميعهم لا يستكبرون عن عبادة ربهم، ويصدعون بما يأمرهم به. وذلك من قوله تعالى 🙁 وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً… {30}) إلى قوله تعالى : (يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ {50}).
اقرأ أيضًا: فضل سورة الأنعام
أدلة على توحيد الألوهية
لما بيّنت الآيات أن الكون كله منقاد لأمر الله تعالى، أمرت هنا بإفراده بالعبادة؛ لأنه الخالق الرازق، ثم ضربت الأمثال في ضلالات أهل الجاهلية مثل جعلهم لمن لا يعلمون من آلهتهم المزعومة نصيبًا مما رزقهم الله تعالى ووصف الملائكة بأنهم بنات الله ورغبتهم في إنجاب الذكور، ولفت الله -جل وعلا- النظر إلى ما كان يفعله أهل الجاهلية والمشركون من وأد البنات -أي دفنهن وهن أحياء- للتخلص منهن، كما ذكّرت الآيات الناس بنعمه الجليلة ليعبدوه ويشكروه، من قوله تعالى : (وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ {51}) إلى قوله تعالى : ( فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {74}).
لما ذكرت سفاهة المشركين في عبادتهم لغير الله أعقبته بذكر مثلين توضيحاً لبطلان عبادة الأوثان، ثم ذكّرت الناس ببعض النعم التي أفاضها عليهم ليعبدوه ويشكروه ويخلصوا له العمل منيبين طائعين ، من قوله تعالى : (ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ… {75}) إلى قوله تعالى : (….هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ {76}).
من مشاهد يوم القيامة
تناولت الآيات بعد ذلك بعضًا من مشاهد يوم القيامة؛ لذلك بدأت بالحديث عن قيام الساعة وأن هذا الأمر كلمح البصر أو هو أقرب، وفي ذلك السياق أكدّت الآيات على قدرة الله تعالى على البعث وحشر جميع الخلائق، ومن ضمن المشاهد التي ذكرتها الآيات أن العذاب لا يُخفف عن الظالمين ولا يُنظرون إلى وقت آخر، بل يحل بهم العذاب في الحال، إضافةً إلى التنازع بين الشركاء بين يدي الله تعالى، وعندها يتبرأ الشركاء ممن اتخذوهم آلهةً، كما يبعث الله على كل أمة شهيدًا. وقد بدأ هذا الموضوع من قوله تعالى: (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ..{77}) إلى قوله تعالى: (…وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ {89}).
توجيهات حول مكارم الأخلاق
يُعد هذا الموضوع من أهم موضوعات ومضامين سورة النحل حيث يؤكد على أمر الله تعالى بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ونهيه عن الفحشاء والمنكر والبغي مع التحذير من نقض العهود والمواثيق وعصيان أوامر الله تعالى؛ لأن العصيان سبب للبلاء ثم ذكرت ما أعدّه لأهل الإيمان من الحياة الطيبة الكريمة. وذلك من قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى.. {90}) إلى قوله تعالى : (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ … {97}).
التأدب بآداب القرآن ورد الإفتراءات
ذكر الله -تبارك وتعالى- أمر الاستعاذة من الشيطان عند قراءة القرآن الكريم مع التأكيد على أنه ليس للشيطان الرجيم سلطان على المؤمنين المتوكلين، بل إن سلطانه على أولياء الشيطان فقط، ثم انتقلت الآيات بعد ذلك للرد على الافتراءات التي يتناقلها المشركون، فشددت الآيات على الإيمان بأن هذا القرآن غير مختلق، بل هو منزل من عند الله تعالى نزله روح القدس على النبي صلى الله عليه وسلم وليس كما قال المشركون بأن النبي تعلمه من الأعاجم، والرد على هذا الافتراء أن القرآن الكريم جاء بلسان عربي مبين، فكيف يكون منقول عن الأعاجم! ويبدأ هذا الموضوع من قوله تعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ {98}) إلى قوله تعالى: (…وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ {111}).
أهمية الدعوة و أساليبها
تناولت الآيات بعض الأمثلة كأحد أساليب الدعوة بعدما ذكرت حال من كفر بلسانه وحال من كفر بلسانه وجنانه، لتُوضح الجزاء العادل الذي يلقاه كل إنسان منهما في الآخرة، وما أعدّه الله تعالى من العقاب العاجل في الدنيا لبعض المكذبين، ثم تحدثت عن قصّة إبراهيم الأواه المنيب، آمرة الرسول صلى الله عليه وسلم باقتفاء أثره مع التأكيد على الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والصبر. وذلك من قوله تعالى : (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً… {111} ) إلى قوله تعالى : (إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ {128}).