موضوعات ومضامين سورة هود
سورة هود من السور الطوال في القرآن الكريم، وهي السورة الحادية عشر في ترتيب المصحف الشريف، ويبلغ عدد آياتها ثلاث وعشرون ومائة اَية، وتُعد من السورة الثلاثة الأولى في القرآن الكريم التي جاءت بأسماء الأنبياء على الترتيب وهي سورة يونس وسورة هود وسورة يوسف، وتتمحور موضوعات ومضامين سورة هود حول الاهتمام بأصول العقيدة الإسلامية، وقد عرضت قصص الأنبياء بالتفصيل ليتأسى بهم رسول الله بالصبر والثبات.
موضوعات ومضامين سورة هود
نزلت سورة هود بعد وفاة السيدة خديجة زوجة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعمه أبي طالب، وازياد حصار قريش للمسلمين في مكة المكرمة؛ ولذلك جاء موضوعات ومضامين سورة هود كالتالي:
أصول الدعوة الإسلامية
ابتدأت السورة الكريمة بتمجيد القرآن العظيم المحكم الآيات والدعوة إلى توحيد الله تعالى والرجوع إليه بالاستغفار مع الخضوع إليه والإيمان الكامل بأنه الرزاق الذي يُعطي كلاً من فضله وأن مرجع الجميع إليه يوم القيامة فهو القادر على البعث والجزاء. وذلك من قوله تعالى (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ {1}) إلى قوله تعالى: (إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {4}).
مشهد فريد ترجف له القلوب
تعرض السورة بعض الظروف الصعبة التي كانت تواجهها الدعوة الإسلامية في مهدها، فتحدثت عن عناد الكافرين من أهل مكة وتكذيبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم واتهامهم له بافتراء القرآن، خابوا وخسروا على ما كانوا يقولون. وذلك من قوله تعالى: (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ…{5}) إلى قوله تعالى: ( وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ {6}).
اضطراب نفوس الكافرين
تُوضح الآيات مدى اضطراب نفوس الكافرين ويتجلى ذلك في إنكارهم الشديد للبعث بعد الموت رغم تعدد الدلائل على قدرة الله تعالى مثل خلق السموات والأرض في ستة أيام، ومن مظاهر اضطرابهم أيضاً استعجالهم للعذاب، فإذا حبس الله عنهم العذاب، ليقولن ما يحبسه، كما تحدثت الآيات عن طبيعة الإنسان الجحود، فإذا أعطاه الله رحمة ثم نزعها منه، فإذا هو يئوس كفور، وعندما يرزقه الله النعماء بعد الضراء، إذا يفرح ويفتخر وينسى فضل الله عليه، وكان الجدير بالكافر أن يفطن إلى أن الله الخالق لكل شيء والقادر على كل شيء ومن ثم يصبر ويعمل الصالحات حتى يغفر له الله في الآخرة ويجعل له أجراً كبيراً. وذلك من قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ {7}) إلى قوله تعالى: (إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ {11}).
تسلية الرسول
جاءت الآيات بعد ذلك لتسلية قلب النبي صلى الله عليه بسبب ما كان يحمله من ثقل إنكار الكافرين لدعوته ومحاولاتهم الدائمة لتكذيبه وتعجيزه حيث طلبوا منه أن يُنزل عليهم كنز من السماء أو يأتي معه ملك، فكانت هذه الآيات سبيلاً لطمأنة النبي بإخباره بأنه ليس مطالباً إلا بالبلاغ والإنذار، واشتملت الآيات على ردود لبعض الإفتراءات التي كان يدعيها الكافرون حول القرآن الكريم. وذلك من قوله تعالى: (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ… {12}) إلى قوله تعالى: (فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ {17}).
بيان حال الفريقين
انتقلت الآيات بعد ذلك إلى بيان حال الفريقين: الكافرين والمؤمنين وما يلاقاه كل فريق من الجزاء في الآخرة من قوله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا.. {1}) إلى قوله تعالى : (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ {24}).
اقرأ أيضاً: موضوعات ومضامين سورة الأعراف
حركة حقائق العقيدة
يُعتبر هذا الموضوع من أبرز الموضوعات التي اشتملت عليها سورة هود حيث يتضمن قصص الأنبياء التي تمثل حركة لحقائق العقيدة ومن القصص التي وردت في السورة:
- قصة نوح عليه السلام والتي جاءت طويلة ومُفصلة للعظة والعبرة وتسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، من قوله تعالى: ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ {25} ) إلى قوله تعالى : (تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ {49})
- قصة هود عليه السلام مع قومه عاد، والذي سميت السورة باسمه تخليداً لجهوده الكريمة في الدعوة إلى الله، من قوله تعالى : (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ{50}) إلى قوله تعالى : (وَأُتْبِعُواْ فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ {60})
- قصة صالح عليه السلام مع قومه وما آل إليه عنادهم وكفرهم، من قوله تعالى : (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ.. {61}) إلى قوله تعالى : (كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّثَمُودَ {68})
- قصة إبراهيم عليه السلام وبشارة الملائكة له بإسحاق ولداً له، ولعل هذه القصة من أكثر القصص التي تبعث الطمأنينة في قلب كل إنسان يظن تعقد الأمور واستحالتها، وذلك من قوله تعالى: (وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُـشْرَى قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ {69}) إلى قوله تعالى : ( … رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ {73}).
- قصة الملائكة الذين مروا عليه وهم بطريقهم لإهلاك قوم لوط، وهم أنفسهم ضيوف إبراهيم الذين بشروه بولادة غلام له، ويتجلى تدمير قوم لوط بسبب السيئات والخبائث التي اعتاد قوم لوط على ارتكابها من قوله تعالى: (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ {74}) إلى قوله تعالى : (مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ {83}).
- قصة شعيب عليه السلام مع أهل مدين، وتمثل هذه القصة سادس قصص الأنبياء في السورة وذلك من قوله تعالى : (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ.. {84}) إلى قوله تعالى : (كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أَلاَ بُعْداً لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ {95})
- هي قصة موسى عليه السلام مع فرعون، وقد جاء ذكرها في سورة هود بشكل موجز وليس تفصيلياً مثل سور أخرى، وذلك من قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ {96}) إلى قوله تعالى : (وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {111}) وقد ذكرت الآيات صراحةً العبرة من سرد القصص، وهي أن تكون شاهداً على تعجيل العقوبة للمكذبين وبرهاناً على تأييد الله لأوليائه الصالحين، كما تحدّثت الآيات عن يوم القيامة وانقسام الناس إلى فريقين : سعداء وأشقياء.
الصبر على الشدائد والثقة في الله تعالى
خُتمت السورة بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالصبر على الأذى والتوكل على الحي القيوم ويأتي هذا التوكل من الإيمان الكامل بقدرة الله تعالى وانتهاء مصير العباد إليه، من قوله تعالى : (فاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {112}) إلى قوله تعالى : (وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ {123} ). وهكذا تختم السورة بالتوحيد كما بدأت به ليتناسق البدء مع الختام.