آخر آيتين من سورة البقرة
تعتبر سورة البقرة أطول سورة في القرآن الكريم، كما أن من أكثر السور التي تدل على الإعجاز القرآني، حيث ورد فيها العديد من القصص، والعبر، والمواعظ، عن الأمم التي سبقتنا، كما أنها أشبه بالغمامة التي تظل صاحبها يوم القيامة، ورغم أن الفضل يشمل جميع آيات سورة البقرة ولكن اختُصت آخر آيتين من سورة البقرة بفضل كبير عن باقي الآيات.
آخر آيتين من سورة البقرة
جميع القرآن العظيم نزل به الأمين جبريل عليه السلام على قلب النبي صلى الله عليه وسلم إلا آخر آيتين من سورة البقرة فإنه صلى الله عليه وسلم تلقاها ليلة المعراج حيث قدم التحية إلى ربه قائلاً: التحيات لله والصلوات والطيبات، فقال تعالى: «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته»، فأراد النبي أن يكون لأمته حظ في السلام، فقال: «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» فقال جبريل وأهل السموات كلهم: «أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله».
فقال الله تعالى: «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ* لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ». (( البقرة: 582-682 ))
وقد ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: إنَّ اللهَ ختَمَ سورةَ البَقَرةِ بآيتَيْنِ أَعْطانيهما من كَنزِه الذي تحتَ العَرشِ، فتَعلَّموهُنَّ، وعَلِّموهُنَّ نِساءَكم وأبناءَكم؛ فإنَّهما صلاةٌ، وقُرآنٌ، ودُعاءٌ. (( الراوي : جبير بن نفير | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المراسيل لأبي داود، الصفحة أو الرقم: 91 | خلاصة حكم المحدث : رجاله ثقات رجال مسلم ))
دائمًا ما يكون ختام الشيء تجميعاً لكل خيراته، وهذه براعة استهلاله صلى الله عليه وسلم بهذا التوكيد «إن الله ختم سورة البقرة»، ويترقب المسلم هذا الشرف لمن يدرك فضل سورة البقرة وما فيها من تحصينات، وحفظ للمنازل وأهلها، حيث يتعرف إلى أن ختامها (بآيتين) وهي كناية عن صب الخير صباً في التوحيد والدعاء اللذين ختمت بهما أعطانيهما (أي ربي) من كنزه الذي تحت العرش) وهذا دلالة على فضلهما وأن لهما مكانة خاصة تكفى المسلم في جميع أحواله.
وتحول من هذا التقرير إلى جانب التكليف فجاء أسلوب الأمر «فتعلموهن وعلموهن». ويتساءل المرء عن المزيد من الفضل لخواتيم سورة البقرة، فجاء التعليل النبوي الشريف جامعاً لهذا الخير فقال: (فإنهما صلاة وقرآن ودعاء) وهذا الترادف في الجمع بين الصلاة التي هي ذكر، والقرآن الذي هو هداية والدعاء الذي هو خير، يحبب إلينا أن نقرأ هاتين الآيتين عندما نأوي إلى فراشنا وعندما تزداد علينا الأعباء.
اقرأ أيضًا: فضل سورة البقرة
فضل آخر آيتين من سورة البقرة
عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَن قرَأ بالآيتَينِ مِن آخرِ سورةِ البقرةِ في ليلةٍ كفَتاه”. (( الراوي : أبو مسعود | المحدث : ابن حبان | المصدر : صحيح ابن حبان، الصفحة أو الرقم: 781 | خلاصة حكم المحدث : أخرجه في صحيحه ))
ومعنى «كفَتاه»: قال ابن حجر: “أي أجزأتا عنه من قيام الليل بالقرآن، وقيل أجزأتا عنه عن قراءة القرآن مطلقا سواء كان داخل الصلاة أم خارجها، وقيل معناه أجزأتاه فيما يتعلق بالاعتقاد لما اشتملتا عليه من الإيمان والأعمال إجمالا، وقيل معناه كفتاه كل سوء، وقيل كفتاه شر الشيطان، وقيل دفعتا عنه شر الإنس والجن، وقيل معناه كفتاه ما حصل له بسببهما من الثواب عن طلب شيء آخر، وكأنهما اختصتا بذلك لما تضمنتاه من الثناء على الصحابة بجميل انقيادهم إلى الله وابتهالهم ورجوعهم إليه وما حصل لهم من الإجابة إلى مطلوبهم، وذكر الكرماني عن النووي أنه قال: كفتاه عن قراءة سورة الكهف وآية الكرسي، كذا نقل عنه جازما به، ولم يقل ذلك النووي وإنما قال ما نصه: قيل معناه كفتاه من قيام الليل، وقيل من الشيطان، وقيل من الآفات، ويحتمل من الجميع” (( فتح الباري لابن حجر: [9/56] )).
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أُعْطِيتُ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ بَيْتِ كَنْزٍ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ، لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي”. (( لراوي : أبو ذر الغفاري | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند، الصفحة أو الرقم: 21344 | خلاصة حكم المحدث : صحيح ))
وعن عبد الله بن مسعود قال: “لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ إِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُعْرَجُ بِهِ مِنَ الْأَرْضِ فَيُقْبَضُ مِنْهَا، وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُهْبَطُ بِهِ مِنْ فَوْقِهَا فَيُقْبَضُ مِنْهَا، قَالَ: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ} [النجم:16] قَالَ: فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ: “فَأُعْطِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا: أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَغُفِرَ لِمَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللهِ مِنْ أُمَّتِهِ شَيْئًا الْمُقْحِمَاتُ”. (( الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 173 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] ))
ومعنى “الْمُقْحِمَاتُ” الذنوب العظام الكبائر التي تهلك أصحابها وتوردهم النار وتقحمهم إياها، والتقحم الوقوع في المهالك، ومعنى الكلام: من مات من هذه الأمة غير مشرك بالله غفر له المقحمات.
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: بيْنَما جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، سَمِعَ نَقِيضًا مِن فَوْقِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقالَ: هذا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ اليومَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إلَّا اليَومَ، فَنَزَلَ منه مَلَكٌ، فَقالَ: هذا مَلَكٌ نَزَلَ إلى الأرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إلَّا اليَومَ، فَسَلَّمَ، وَقالَ: أَبْشِرْ بنُورَيْنِ أُوتِيتَهُما لَمْ يُؤْتَهُما نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الكِتَابِ، وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ البَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ بحَرْفٍ منهما إلَّا أُعْطِيتَهُ. (( الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 806 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] ))
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنَّ اللهَ كتب كتابًا قبل أن يخلقَ السماواتِ والأرضَ بأَلْفَيْ عامٍ أَنْزَلَ منه آيتينِ ختم بهما سورةَ البقرةِ ، ولا يُقْرَآنِ في دارٍ ثلاثَ ليالٍ فيَقْرَبُها شيطانٌ. (( الراوي : النعمان بن بشير | المحدث : الترمذي | المصدر : سنن الترمذي، الصفحة أو الرقم: 2882 | خلاصة حكم المحدث : حسن ))
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اقرأ الآيتَينِ من آخرِ سورةِ البقرةِ فإنِّي أُعطيتُهُما مِن تحتِ العرشِ. (( الراوي : عقبة بن عامر | المحدث : ابن كثير | المصدر : تفسير القرآن، الصفحة أو الرقم: 1/506 | خلاصة حكم المحدث : إسناده حسن ))
ثبت عن علي رضي الله عنه، قال: ”ما كنت أرى أحداً يعقل، ينام حتى يقرأ هؤلاء الآيات من آخر سورة البقرة”. (( الراوي : علي بن أبي طالب | المحدث : العيني | المصدر : العلم الهيب، الصفحة أو الرقم: 165 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم ))
اقرأ أيضًا: فوائد من سورة البقرة