يجب على المسلم أن يرضى بما قدّره الله له، وليس المقصود بالرضا الاستسلام وعدم بذل الجهود لتحقيق ما يريد، بل هو الحرص على بذل الجهد لتحقيق الهدف، ورضا المسلم بكلّ ما قدّر له دون جزعٍ، أو سخطٍ، أو ضجرٍ، مع القبول بحكم الله في السراء والضراء، ويستعرض موقع معلومات في هذا المقال أحاديث عن الرضا وما جاء من أقوال السلف في الرضا بقضاء الله.
أحاديث عن الرضا
عن شداد بن أوس -رضي الله عنه- قال: فإني سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ: إنَّ اللهَ تعالى يقولُ: إنِّي إذا ابتليتُ عبدًا من عبادي مؤمنًا، فحمدني على ما ابْتَلَيْتُه، فإنه يقومُ من مَضجعِه ذلك كيوم ولدتْهُ أمُّه من الخطايا، ويقولُ الربُّ عزَّ وجلَّ: أنا قيَّدتُ عبدي، وابتليتُه، فأجروا له كما كنتم تجرون له وهو صحيحٌ. (( الراوي : شداد بن أوس | المحدث : الألباني | المصدر : السلسلة الصحيحة، الصفحة أو الرقم: 4/144 | خلاصة حكم المحدث : إسناده حسن، رجاله ثقات ))
عظمُ الجزاءِ مع عظمِ البلاءِ والصبرُ عند الصدمةِ الأوْلَى وإن اللهَ إذا أحب قومًا ابتلاهم ، من رضِيَ فله الرّضا ومن سخِطَ فله السخط. (( الراوي : علي بن أبي طالب | المحدث : ابن تيمية | المصدر : مجموع الفتاوى، الصفحة أو الرقم: 10/46 | خلاصة حكم المحدث : صحيح ))
أوحى اللَّهُ تعالى إلى موسى عليهِ السَّلامُ إنَّكَ لن تتقرَّبَ إليَّ بشيءٍ أحبَّ إليَّ منَ الرِّضا بقضائي ولم تعمَلْ عملًا أحبَطَ لحسناتِكَ منَ الكبرياءِ يا موسى لا تضرَعْ إلى أَهلِ الدُّنيا فأسخَطُ عليكَ ولا تخفَ بدينِكَ لدنياهم فأغلقُ عليكَ أبوابَ رحمتي يا موسى قل للمذنبينَ النَّادمينَ أبشِروا وقل للعاملينَ المعجبينَ اخسَروا. (( الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : أبو نعيم | المصدر : حلية الأولياء، الصفحة أو الرقم: 5/53 | خلاصة حكم المحدث : غريب ))
أَلَا إنَّ الغَضَبَ جَمْرَةٌ تُوقَدُ في جوفِ ابنِ آدمَ ، أَلَا تَرَوْنَ إلى حُمْرَةِ عَيْنَيْهِ وانتفاخِ أوداجِه ؟ فإذا وجد أحدُكم شيئًا من ذلك فالأرضَ الأرضَ ، أَلَا إنَّ خيرَ الرجالِ مَن كان بَطِيءَ الغضبِ سريعَ الرِّضا ، وشرَّ الرجالِ مَن كان سريعَ الغضبِ بَطِيءَ الرِّضا ، فإذا كان الرجلُ بَطِيءَ الغضبِ بَطِيءَ الفَيْءِ ، وسريعَ الغضبِ سريعَ الفَيْءِ فإنها بها. (( الراوي : أبو سعيد الخدري | المحدث : السيوطي | المصدر : الجامع الصغير، الصفحة أو الرقم: 1604 | خلاصة حكم المحدث : صحيح ))
عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا ماتَ ولَدُ العبدِ قالَ اللَّهُ لملائِكتِهِ قبضتم ولدَ عبدي فيقولونَ نعم فيقولُ قبضتُم ثمرةَ فؤادِهِ فيقولونَ نعم فيقولُ ماذا قالَ عبدي فيقولونَ حمِدَكَ واسترجعَ فيقولُ اللَّهُ ابنوا لعبدي بيتًا في الجنَّةِ وسمُّوهُ بيتَ الحمْدِ. (( الراوي : أبو موسى الأشعري | المحدث : الترمذي | المصدر : سنن الترمذي، الصفحة أو الرقم: 1021 | خلاصة حكم المحدث : حسن غريب ))
أقوال السلف في الرضا
تكون الهداية عندما يستقر الإيمان في قلب العبد، ويعرف الله تعالى حق المعرفة، ويقدره حق قدره، فيلقي الله تعالى نورًا في قلب العبد يميز فيه الحق من الباطل، ويسعى إلى تحقيق رضا الله تعالى، وتوجد عّدة أقوال وردت على لسان الصالحين من هذه الأمة، ومن خير الناس بعد الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهم الصحابة والتابعين، وقد كانوا أئمةً في طريق الخير والصلاح والهداية، ومما قالوه في الرضا:
- يقول علقمة عن قول الله تعالى: {وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}، هذا إذا أصابت المسلم المصيبة، فآمن أنها من عند الله تعالى، فسلم أمره لربه ورضي بقضائه.
- روي أن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- رأى رجلًا مبتلى يسمى عدي، فقال له: “يا عدي إنه من رضي بقضاء الله جرى عليه فكان له أجر، ومن لم يرض بقضاء الله جرى عليه فحبط عمله”، فأمر الله تعالى سيمضي على العبد وهو بين أمرين: إما صابر يحمد الله تعالى فينال الأجر، وإما ساخط فيغضب الله تعالى وينال الوزر.
- روي عن رضا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه بقضاء الله وقدره، أنه قال: “ما أبالي على أي حال أصبحت على ما أحب أو على ما أكره؛ لأني لا أدري الخير فيما أحب أو فيما أكره”.
- كان ابن عمر يقول في الاستخارة: “إن الرجل ليستخير الله فيختار له، فيتسخّط على ربه، ولا يلبث أن ينظر في العاقبة فإذا هو قد خِير له”.
- رُوي عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- أنه عدّ الرضا من ذروة الإيمان، فقال: “ذروة الإيمان أربع: الصبر للحُكم، والرضا بالقدر، والإخلاص للتوكل، والاستسلام للرب عز وجل”.
- رُوي أن مالك بن دينار ومحمد بن واسع جلسا يتحدثان عن العيش، فقال مالك: “ما شيء أفضل من أن يكون للرجل غلّة – أي أرضٌ أو زراعة – يعيش فيها”، فقال محمد: “طوبى لمن وجد غداءً ولم يجد عشاءً، ووجد عشاءً ولم يجد غداءً، وهو عن الله عز و جل راض”.
- قال سفيان في تفسير قول الله تعالى: {بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ}، أنهم المطمئنون، الذين يرضون بقضاء الله تعالى، ويستسلمون له.
- رُوي عن الحسن بن علي -رضي الله عنه- أنه قال في الرضى: “من رضي من الله بالرزق اليسير؛ رضي الله منه بالعمل القليل”.
- رُوي عن بشر بن بشار أنه طلب النصيحة من ثلاثة من الصالحين، فقالوا له: “ألق نفسك مع القدر حيث ألقاك؛ فهو أحرى أن تُفرغ قلبك، ويقل همّك، وإياك أن تسخط ذلك فيحل بك السخط وأنت عنه في غفلة لا تشعر به”، وقال الثاني: “التمس رضوانه في ترك مناهيه فهو أوصل لك إلى الزلفى لديه”، وقال الثالث: “لا تبتغِ في أمرك تدبيرًا غير تدبيره؛ فتهلك فيمن هلك، وتضلّ فيمن ضلّ”.
ثمرات الرضا
للرضا العديد من الثمرات والنتائج، يُذكر منها:
- الرضا يُثمر رضا الله عن عباده، فالله -عزّ وجلّ- يرضى بمن يعبده، وإن سأله ودعاه، وتذلّل العبد إليه، أقبل الله عليه.
- الرضا سببٌ في زوال الحزن والهم والغم، وسوء الحال وشتات القلب، فيشعر المسلم بالراحة والطمأنينة والسكينة، بعكس ما يترتب على السخط، من انزعاج القلب واضطرابه.
- الرضا يخلّص العبد من مخالفة الله -تعالى- في الأحكام والشرائع والقضاء.
- الرضا يُشعر العبد بعدل الله، فعدل الله في العقوبات والقضاء لا يتعارض مع حكمه.
- الرضا سببٌ في البُعد عن الحسد والغش والحقد؛ لأنّ المسلم الذي لا يرضى بما قدر له يبقى عنده حسد، ويتمنّى زوال النعمة عن الآخرين.
- الرضا يجعل المسلم يسلم بأمر الله؛ فلا يشكّ بعلمه وحكمته وقدرته، ويعلم أنّ الله حكيمٌ في كلّ ما يحصل للعبد.
- الرضا يُثمر الشكر.
- الرضا يصفّي الذهن، ويفرّغ قلب العبد من أجل العبادة، فيصلّي وهو خالي الذهن غير مشتتٍ.
اقرأ أيضًا:
كيف اتعلم الرضا .. دليلك لترضى بحياتك
المصادر: