فوائد من سورة نوح
تعد سورة نوح من السور المكية، حيث نزلَت على النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة بعد سورةِ المعارج، وهي في الجزءِ التاسع والعشرين وفي الحزب السابعِ والخَمسين، رقمُها من حيث الترتيب في المصحفِ الشريف 71، عددُ آياتِها 28 آية، ويُقدم لكم موقع معلومات في هذا المقال فوائد من سورة نوح.
فوائد من سورة نوح
بعثة نوح عليه السلام
تمتاز سورة نوح بتناول جميع آياتها لدعوة نوح-عليه السلام- لقومِه؛ فقد دعاهم إلى عبادة الله -تعالى-، وطاعته مِراراً وتكراراً، وبثّ توحيد الله بينهم، ولَبِثَ بينهم مدّةً طويلةً في سبيل دعوتهم؛ استجابةً لأمر ربّه، ورحمةً بالقوم، وتخويفاً لهم من عذاب الله إن لم يستجيبوا.
وكان قوم نوح -عليه السلام- عاكفين على عبادة أصنامٍ صنعوها بأيديهم قبل أن يُرسله الله إليهم، وكانت على هيئة رجالٍ صالحين محبوبين من قومهم، فلمّا ماتوا، وتمّ دفنهم، بقي القوم يعكفون على زيارتهم، والتبرّك بقبورهم حتى أغواهم الشيطان، وزيّن لهم صُنع تماثيل لهم، فأخذوا يعبدونها من دون الله -تعالى-، وظنّوا أنّ بيدها نفعهم وضرّهم، وتناقلوها جيلاً عن جيلٍ، فأرسل الله -عزّ وجلّ- نبيّه نوحاً -عليه السلام-؛ ليُخرجهم من عبادة الأصنام إلى عبادة الله، وقد لَبِثَ في دعوتهم ألف سنةٍ إلّا خمسين عاماً، إلّا أنّهم استمرّوا في غيّهم وجحودهم.
الترغيب في الاستغفار
رغّب نوح -عليه السلام- في الطاعات، وحضّ عليها، وذكّر بها؛ لِما فيها من خيرَي الدنيا والآخرة، وأعظمها الاستغفار ممّا اقترفوه في حقّ أنفسهم من عصيانٍ وتمرّدٍ على شرائع الله -عزّ وجلّ-، وأوامره ونواهيه، وكان من وعظه اللطيف لهم رغم شركهم إخبارهم أنّ عاقبة الاستغفار من الذنوب.
بيان عظمة الله في الخلق
تجلّت عظمة الله -عزّ وجلّ- في خَلْقه، فقد خلق الإنسان من طينٍ، وأنشأه في أحسن تقويمٍ، وهو الذي أنزل الأمطار، وأخرج الثمار، وهو القادر على إمداد خَلْقه بكُلّ ما يحتاجونه، من راحةٍ، وسعادةٍ، ومالٍ، وبنين، وزورعٍ وافرةٍ، وذلك ما بيّنه النبيّ نوح -عليه السلام- لقومه؛ إذ أقام الحُجّة على وجود الله -تعالى-، وقدرته، وعظمته.
ذكر الله -جلّ وعلا- في سورة نوح أنّه خَلَق الإنسان من ترابٍ في عدّة أطوارٍ ومراحلَ، واعتنى به في كلّ مرحلةٍ من تلك المراحل، ثمّ أنّه القادر على أن يُميته، ثمّ يُحييه مرّة أخرى، ومن مظاهر قدرة الله أيضاً المذكورة في السورة ذاتها: خلق السماوات بعضها فوق بعضٍ، وجعل الشمس والقمر سراجاً ونوراً لأهل الأرض.
موقف قوم نوح من دعوته
كان قوم نوح -عليه السلام- كُلّما دعاهم نبيّهم إلى عبادة الله -تعالى-، وإلى توحيده أأخذتهم العزّة بالإثم؛ فيضعون أصابعهم في آذانهم، رافضين ومُعرضين عن سماع نُصْح ووعظ نبيّهم لهم لعبادة الله -تعالى-، كما كانوا يغطّون رؤوسهم وأعينهم؛ لئلّا ينظروا إليه، وكان ذلك من أشدّ صور التعنُّت، وأكثرها شناعةً، ويُصرّون مُستكبرين على كفرهم، ظاهراً وباطناً؛ فأمّا ظاهرهم فيتمثّل بسدّ أسماعهم؛ لئلّا يسمعوا كلام نوح -عليه السلام- ودعوته، ويُخفون وجوههم عنه؛ لئلّا يرَوه، وقِيل زيادةً في سَدّ الأذنين، وقِيل زيادةً في العداوة.
كان عصيان قوم نوح واضحاً فيما دعاهم إليه نبيّهم -عليه السلام- من المغفرة، والخيرات من الله -تعالى-، فعصوه واتّبعوا أصحاب الأموال والرؤساء من القوم، وزاد طغيانهم بمكرهم وكيدهم لنوح -عليه السلام- وتحدّيه، وإشعال نار الفتنة بكلامهم، وحضّ الناس على أذيّته والميل عن دعواه، وعدم ترك آلهتهم التي صنعوها بأيديهم؛ فكان لهم صنمٌ يُسمّى ودّ؛ وهو صنم على صورة رجل، وسُواعٌ على صورة امرأةٍ، ويغوثَ على صورة أسدٍ، ويعوقَ على صورة فرسٍ، ونسر على صورة نسرٍ.
دعاء نوح على قومه
جاء دعاء نوح -عليه السلام- على قومه بعد إسرافهم في الاستكبار، وإفراطهم في الجحود عن دعوته بألّا يَدعَ الله منهم أحداً على وجه الأرض، في الحاضر، ولا في المستقبل؛ فقد أخبر الله -سبحانه- نبيّه أنّه لن يؤمن من قومه إلّا قليلاً، رغم أنّه عايشهم ألف سنةٍ إلّا خمسين عاماً.
دلّت الآيات على أنّ نوحاً -عليه السلام- بذل كُلّ الجهد، ولجأ إلى كُلّ الأساليب في دعوة قومه، ومع ذلك لم يؤمن منهم إلّا مَن آمن كما أخبره الله -تعالى-، فدعا عليهم نوح، وسبب دعائه -عليه السلام- مُعتبرٌ شرعاً وعقلاً، فكما هو مُبيّنٌ في الآيات أنّ قومه إن ولدوا، فإنّهم لن يلدوا إلّا فاجراً مثلهم، حيث سبق إعلامه بأنّه لن يؤمن إلّا مَن آمن، فدعا عليهم، فاستجاب الله -تعالى- له.
فوائد
تعلّقت سورة نوح بالسورة التي قبلها؛ وهي سورة المعارج، من جهتَين، بيانهما فيما يأتي:
- الوجه الأوّل: تشابه مطلعهما في ذكر العذاب؛ فقد استُهِلّت سورة المعارج بقصّة نبيّ الله محمّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم- مع مَن لم يؤمن بدعوته من قومه، وتروي سورة نوح قصّة نوح -عليه السلام- مع قومه أيضاً.
- الوجه الثاني: مناسبة خاتمة سورة المعارج في قول الله -تعالى-: (إِنَّا لَقادِرُونَ*عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ)، لبداية سورة نوح، فجاءت سورة نوح موضع دليلٍ على قدرة الله -عزّ وجلّ- على إبدال قوم بقومٍ خيرٍ منهم.
ترتبط سورة نوح بالسورة التي تليها؛ وهي سورة الجنّ، من وجهَين، هما:
- الوجه الأوّل: يتمثّل بقصّة سورة نوح بشكلٍ كاملٍ، مع قصّة محمّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم-؛ فنبيّ الله نوح -عليه السلام- كان أوّل مُرسَلٍ إلى قومٍ مخالفين على وجه الأرض، فدعاهم إلى توحيد الله -تعالى-، إلّا أنّهم ضلّوا، وأضلّوا، وعبدوا من دونه الأوثان، فدعا ربّه بهلاكهم في نهاية السورة، وكذا جاءت مناسبة الانتهاء في سورة نوح للابتداء في سورة الجنّ؛ إذ إنّ قوم محمّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم- خاتم الأنبياء والمرسلين كان كحال قوم نوح -عليهما السلام-؛ فكِلا القومين عبدوا الأصنام من دون الله -تعالى-.
- الوجه الثاني: قول الله -تعالى- في سورة نوح: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا*يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا)، وارتباطها بقول الله -سبحانه- في سورة الجّن: (وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا)، فذكرت الآيتان المطر، وبيّنتا أنّه فضلٌ من الله؛ جزاءً عاجلاً لأعمال العباد.
اقرأ أيضًا:
المصادر: