فوائد من سورة التغابن
سورة التغابن هي من السور التي اختلف الفقهاء في وقت نزولها على سيّدنا محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- كونها سورةً مكيّةً أو مدنيّة، وهي في قول الغالبيّة من أهل الفقه مدنيّة، ولكن عند الضحاك هي مكيّة، ويُقدم لكم موقع معلومات في هذا المقال فوائد من سورة التغابن.
فوائد من سورة التغابن
تبدأ سورة التغابن مثل بقيَّة السور المسبحات بالثناء على الله -عزَّ وجلَّ- وتسبِّحه وتمجِّده، وتبيِّن أنَّ الخلائقَ جميعهم في الأرض وفي السماوات يسبِّحون له -تبارك وتعالى- ويمجِّدونه، وجاءت صيغة التسبيح بفعل المضارع يسبِّحُ والتي تدلُّ على عظمة الله تعالى وتوحي باستمرارية وديمومة هذا الفعل العظيم، قال تعالى: {يُسبِّحُ للَّهِ ما في السَّمَاواتِ ومَا في الأَرضِ لهُ المُلْكُ ولهُ الحمْدُ وهُو علَى كلِّ شيْءٍ قدِيرٌ}.
يعدُّ هذا الأمر من أعظم فوائد سورة التغابن، ومن مقاصد سورة التغابن أيضًا التوجُّه بتحذيرٍ شديد للكافرين والمشركين من تماديهم في الطغيان والكفر والغيِّ، وتذكرُ كيفَ كانت عاقبة الأمم السابقة التي كفرت وحادت عن طريق الصواب، وكيف أذاقهم الله عذابًا أليمًا، قال تعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، وتؤكدُ أنَّ الله جعلَهم عبرةً للعالمين -تبارك وتعالى-.
تشير سورة التغابن إلى رحمة الله الواسعة، وإظهار جبروته وعظمته -سبحانه وتعالى-، وفيها من التمجيد لله العظيم من جميع الكائنات والمخلوقات كما ذكرت افتتاحية السورة، قال تعالى: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
ومن كمال عظمته خلقه للنّاس في أحسن تقويم، قال تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}، واستغناؤه عن من في الأرض جميعًا، فلا يضرّه -سبحانه وتعالى- عصيان المكذّبين وفسوقهم، ولا ينفعه صلاح المؤمنين وخشوعهم، إنما أمر النّاس لهم، يجزيهم به ويعاقبهم به، قال تعالى: {وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ ۚ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}.
ومن فوائد سورة التغابن أيضًا أنَّها تشيرُ إلى إنكار الكفَّار ليوم الحساب والبعث، وينكرون أنَّ الله تعالى سيجمع الخلائق إليه جميعًا في يوم الحساب، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}.
تؤكدُ آيات سورة التغابن على أنَّ كلَّ ما يصيبُ الشخص ما كان ليصيبه لولا إرادة الله تعالى وكلُّ ذلك بقضائه وقدره، قال تعالى: {ما أصابَ من مصيبَةٍ إلاَّ بإذْنِ اللَّهِ ومَن يؤمِن باللَّهِ يهْدِ قلبَهُ واللَّهُ بكُلِّ شيْءٍ عليمٌ}.
ثمَّ تحذِّر المؤمنين من فتنة المال والولدِ على دِينِ المرء وإيمانه، قال تعالى: {إنَّما أموَالكُمْ وأولادُكُمْ فتنَةٌ واللَّهُ عندَهُ أجْرٌ عظِيمٌ}.
وتختمُ مقاصد سورة التغابن بالحديث عن تقوى الله تعالى وطاعته، قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، وتحضُّ المسلمين على إنفاق المال في جميع وجوه الخير والإحسان ابتغاءَ مرضاة الله تعالى وعفوه.
يوم التغابن
لقد سمِّيَت سورة التغابن بذلك لورود هذه الكلمة في إحدى آيات سورة التغابن، ومعنى التغابن أن يغبنَ البشرُ بعضهم بعضًا، وهو أحد أسماء يوم القيامة وبسبب ذلك سميَ بهذا الاسم، وقد قال بذلك عبد الله بن عباس -رضي الله عنه-، ولأنَّ في ذلك اليوم يغبنُ أصحابُ الجنة أصحابَ النار.
يقول الإمام القرطبيُّ -رحمه الله تعالى- في تفسيره المعروف بتفسير القرطبي: لقد سُمِّي يوم القيامة بيومِ التَّغابنِ لأنَّ فيهِ يغبنُ أصحابُ الجنَّة أصحابَ النَّار، ومعنى ذلك أن يفوزَ أصحاب الجنَّة بالجنَّة التي وعدهم ربَّهم، وينال أصحاب النار النار التي توعَّدهم بها -سبحانه وتعالى-، وكأنَّ ذلك يحدثُ عن طريق المبادلة فيما بينهم، من أجل مبادلة الخير بالشر والجيد بالرديء والجحيم بالنعيم فيما بينهم، فإذا غبنَ فلانٌ فلانًا من الناس أي إذا باعه واشترى منه وكان النقص على المغبون والزيادة والغلبة والربح للشخص الذي غبَنَ، وهذا هو حال أصحاب الجنة وأصحاب النار كما وصفه -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم، ولذلك سمِّيَ يوم القيامة بيوم التغابن.
فوائد
عُرف القرآن الكريم ببديع إعجازه، وشموله على كافّة صور الإعجاز، ومن هذه الصور التي يتمّ الخوض فيها هو الإعجاز البيانيّ في القرآن الكريم، وقد تناول الدكتور فاضل السامرائي جوانب من الفوائد اللغوية في سورة التغابن، واللمسات البيانية الموجودة فيها، تأتيكم تباعًا:
- بداية السورة بالمضارع من الفعل “سبّح” والذي كُرّر في مواطن عديدة بصيغة الماضي كسورة الصفّ وسورة الحشر وغيرها من السّور، وفيها يُذكر تباعًا القتال في السّور، وأمّا بصيغة المضارع كما في سورة الجمعة وفي افتتاح سورة التغابن، فلا يُذكر فيها القتال، قال تعالى: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}.
- اللمسة البيانية في تكرار الآية نفسها على اختلاف الضمير في سورتي غافر والتغابن، قال تعالى: {ذَٰلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوا ۚ وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ ۚ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}، وقال في سورة غافر: {ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا}، حيث تمّ استخدام ضمير الشأن في {بِأَنَّهُ}، وذلك للأمر الجلل وتعظيمه في استغناء الله عن الكافرين، واستخدمت في سورة غافر {بِأَنَّهُمْ} كما في قواعد اللغة للدلالة عن الجمع.
- في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ}، واللمسة البيانية هنا في عدم التخصيص في قول {أَوْلَادِكُمْ}، بل الشموليّة للجنسين الذكر والأنثى، واستخدام حرف الجر في الآية الكريمة {مِنْ}، وذلك للتبعيض -بعض من كل- وليس الشمول.
اقرأ أيضًا:
المصادر: