فوائد من سورة الصف
سورة الصف هي السورة الواحدة والستون من سور القرآن الكريم البالغ عددها مائةً وأربعة عشر سورةً كريمة، تليها سورة الجمعة وتسبقها سورة الممتحنة في ترتيب سور المصحف الشريف ويبلغ عدد آياتها أربعة عشر آية، وهي من السور المدنية التي نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد الهجرة النبوية إلى مكّة المكرمة، ويستعرض موقع معلومات في هذا المقال فوائد من سورة الصف.
فوائد من سورة الصف
بدأت سورة الصف في أول آيةٍ منها بتمجيدِ الخالق البارئ -تبارك وتعالى- وتسبيحه، فكان هذا الثناء أول مقاصد سورة الصف حيثُ أثنت السورة على الله تعالى وعظَّمته -جلَّ وعلا-.
وجَّهت سورة الصف عتابًا رقيقًا إلى عباد الله المؤمنين الذيت تخالف أفعالهم أقوالهم وهذه الصفة ليست من صفات المؤمنين بل اعتبرها الله تعالى من الذنوب العظيمة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}.
ومن فوائد سورة الصف أيضًا أنَّها تشيرُ إلى الجفاء الذي كان بنو إسرائيل يتَّصفونَ به، كما تشيرُ إلى البشرى التي زفَّها نبيُّ الله عيسى بن مريم -عليه السلام- بقدوم نبيِّ الله محمد -صلى الله عليه وسلم- بعده، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ}، لكنَّ اليهود والنصارى لمَّا جاءهم رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- كذبوه ولم يؤمنوا بدعوته.
تطرقت آيات سورة الصف أيضًا إلى الكافرين الذين يحاربون الله تعالى ورسوله -عليه الصلاة والسلام- ويؤكدُ الله في السورة أنَّه قادرٌ على أن يظهرَ دينه على جميع الأديان الباطلة في الأرض، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}.
تختمُ السورة بالحديث عن التجارة مع الله تعالى، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}، وهي تجارة رابحة أن يؤمنَ الناس بالله تعالى ويجاهدوا في سبيل الله بالمال والنفس لينالوا مغفرةً منه وجنَّاتٍ تجري الأنهار من تحتها، وذلك هو الفوز العظيم الذي يعلو على كلٍّ فوز وجزاءٍ.
دروس مستفادة من سورة الصف
الدرس المستفاد من سورة الصف مركب من هذين الجزئين، من البذل أولاً والحث عليه، ومن ضرورة وحدة القلوب أثناء البذل ثانيا، والتأكيد على هذين الأمرين،
البذل والحث على نصرة الدين
بعض المسلمين ممن يدعي حب الدين وحب الله وحب نصرته، مبرز في مجال العبادة والخشوع والصلاة والذكر وقراءة القرآن، بعبارة أخرى في مجال التعبد الفردي المحض، وهذا أمر مطلوب وضروري ولا شك، ولكن لا بد له من شيء يكمله، ألا وهو الاجتهاد في الذب عن حياض الدين ونصره ومقارعة أعداءه، إذ لا بد للدين من طائفة تحميه وتنصره وتذود عن حياضه، والله يحفظ هذا الدين ويؤيده بمثل هؤلاء.
الاجتماع في نصرة الدين
وراء الأكمة ما وراءها، ووراء ظاهر الحديث ما وراءه، فإن الباذلين ربما حدثتهم أنفسهم بما بذلوا ولربما طلبت أنفسهم مقابلا في سبيل هذا البذل وهنا يقع التنازع، نبهت السورة في هذه الجملة وفي اسم السورة إلى ضرورة التخلي التام عن حظ النفس وإلى ضرورة المحافظة على نقاء القلوب وصفاءها، إذ أن الصفوف لا ترتص ولا تكون بنيانا إلا إذا أعطى الباذلون فيها لأجل الله وحده لا لأجل شيء، فالاجتماع هو علامة الإخلاص، ويأتي هذا المعنى في عدة مواضع من السورة مثل قوله تعالى : في سبيله – في سبيل الله – أنصار الله – أنصاري إلى الله.
فوائد
سيتم ذكر بعض ما جاء من فوائد لغوية في سورة الصف وذلك بدراسة التأملات واللمسات البيانية في قوله تعالى في آخر آياتها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ}، فلماذا قال الله تعالى على لسان عيسى -عليه السلام- “من أنصاري إلى الله” ولم يقل “من أنصار الله”؟
أجاب الدكتور فاضل السامرائي عن هذا التساؤل في طرحه لما جاء من تأملات في سورة الصف بقوله أنّ هذا القول يحتمل معنيين، الأول أن يكون مقصد نبي الله عيسى -عليه السلام- أن يقول “أنا ماضٍ في نصرة الله فمن منكم سيأتي إلى نصرة الله معي؟” والنصرة هي تأييده والمحاربة للمحافظة على دينه.
أمّا المعنى الثاني أن يكون مقصد عيسى -عليه السلام- أن يقول: “إنّ الله تعالى ينصرني لأنني معه فمن يكون مع الله لينصره مثلي فيكون من أنصاري ووجهته وغايته الله وحده لا شريك له”، فكانت الإجابة من الحواريين “نحن أنصار الله”، لأنّه وفي الحالتين المقصد والغاية هي نصرة الله تعالى وإعلاء كلمة الحق والقتال للحفاظ على دين الله الحق، ولو قال “من أنصار الله” لادّعى اليهود والكفار بأنّهم أنصار الله وأنهم هم شعبه المختار، فكان السؤال “من أنصاري إلى الله” ليميز به من يريد نصرة الله عن طريق الدين الذي جاء به -عليه السلام-، والله تعالى أعلم.
اقرأ أيضًا:
المصادر: