تتألف سورة المسد من اجتماع خمس آيات قرآنية، وهي السور الحادية عشرة بعد المئة في ترتيب سور المصحف الشريف حيث تقع سورة المسد في الجزء الثلاثين والأخير وفي الحزب الستين والأخير أيضًا، أنزلها الله تعالى بعد سورة الفاتحة وقيلَ إنَها نزلتْ بعد سورة الفتح، ويستعرض موقع معلومات في هذا المقال فضل سورة المسد ومقاصدها.
فضل سورة المسد
لم يصحّ حديثٌ عن فضل سورة المسد بشكلٍّ خاصٍّ سوى فضل قراءتها كغيرها من سُور القرآن الكريم الذي هو خيرٌ وفضلٌ كله؛ فقراءته تعودُ على المسلم بالأجر والمَثوبة والحسنات، فكما جاء في حديث عبد الله بن مسعود: ” من قرأ حرفًا من كتابِ اللهِ فله به حسنةٌ والحسنةُ بعشرِ أمثالِها لا أقولُ { ألم } حرفٌ ولكن ألفٌ حرفٌ ولامٌ حرفٌ وميمٌ حرفٌ”. (( الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : المنذري | المصدر : الترغيب والترهيب، الصفحة أو الرقم: 2/296 | خلاصة حكم المحدث : [إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما] )) إلى جانب اتباع هدي النبيّ في عدم هجر القرآن.
أما ما يُتناقل في فضل سورة المسد وأنّ قراءتها سببٌ في البعد عن مكان تواجد أبو لهبٍ في إيماءةٍ إلى أنها تقي قارئها من دخول النار؛ فلا أصل له، وأيضًا ما جاء في فضل سورة المسد في جلب الحبيب؛ فأمر عارٍ عن الصحّة؛ لذا لا بُدّ من التثبت من صحة الأحاديث في فضائل السور كما حقّق الألباني -رحمه الله- وحصر فضائل السور ولم تكن سورة المسد إحداها.
توجد بعض الآثار المنسوبة إلى الإمام الصادق عن سورة المسد مثل قوله: «من قرأها على المغص سكّنه اللّه و أزاله، و من قرأها في فراشه كان في حفظ اللّه و أمانه».
عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال : «إذا قرأتم : {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد : 1] فادعوا على أبي لهب، فإنّه كان من المكذبين الذين يكذّبون بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و بما جاء به من عند اللّه عزّ و جلّ».
مقاصد سورة المسد
سورة المسد سورة مكية أنزلها الله -سبحانه وتعالى- ردًّا على ما قاله أبو لهب لرسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، ويقول الله تعالى في سورة المسد: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}، ومقاصد سورة المسد في الآية الأولى دعاء على أبي لهب، وأبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب، كان يُكنَّى بأبي عتبة وسُمِّي أبا لهب لأنَّه كان مُشرقَ الوجه، وكان أبو لهب من أشد أعداء رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- فكان كثير الاستهزاء برسول الله وبغضه والحقد عليه، ومعنى تبَّتْ أي خابت وخسرت.
أمَّا مقاصد سورة المسد في الآية الثانية، فالآية تعني أنَّ مال أبي لهب لن ينفع ولن يعصمه من عذاب الله تعالى، وفي الآية الثالثة إشارة إلى مصير أبي لهب حيث إنَّ الآية تجزم بأنَّه سيصلى النار وسيعذب فيها عذابًا مهينًا، أمَّا الآية الرابعة جعل الله تعالى زوجة أبي لهب وهي أم جميل أروى بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان في النار، فشرفها ونسبها لن يغنيا عنها شيئًا.
ذكرُ حمالة الحطب هنا إشارة إلى أنَّ زوجة أبي لهب كانت تأتي بالحطب وترميه في طريق رسول الله أذية له، أي أنَّها كانت شريكة زوجها في الكفر، أمَّا الآية الأخيرة فالجيد هو العنق في اللغة، والمسد هو الليف.
وقد فسَرها المفسرون أنَّ هذا الحبل المصنوع من المسد هو الحبل الذي تربط به الحطب الذي كانت تجمعه، وقال سعيد بن المسيب في تفسير هذه الآية: “كانت لها قلادة فاخرة، فقالت: لأنفقنَّها في عداوة محمد، فأعقبها الله بها حبلًا في جيدها من مسد النار”، والله تعالى أعلم.
تأملات في سورة المسد
في الحديث عما وردَ من تأملات في سورة المسد، لقد بلغتْ بلاغة القرآن الكريم الآفاق، فقد أنزله الله -سبحانه وتعالى- وتحدَّى به العرب أهل الفصاحة والبلاغة والبيان، قال تعالى في سورة يوسف: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}، فكان كتابًا بلسان عربي فصيح، ولهذا كان لا بدَّ على علماء البلاغة والبيان أن يغوصوا في أعماق آيات هذا الكتاب الحكيم ويستخرجوا منها الدُّرر والنفائس ويوقِنوا حقَّ اليقين أنَّ هذا الكتاب من عند الله العليم.
كان لسورة المسد نصيب من بلاغة القرآن الكريم وبيانه ككلِّ السور والآيات القرآنية، حيث يقول الله -تبارك وتعالى- في سورة المسد: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَىٰ نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ} حيث أن مقصد الآية القرآنية الرئيس هو ذمُّ أبي لهب وزوجتِه.
واللمحة البيانية النحوية في قوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}، فكلمة “حمَّالة” في الآية السابقة تُعرب مفعولًا به لفعل محذوف منصوب وعلامة نصبه الفتحة، وتقدير الجملة هو: “أذمُّ حمَّالةَ الحطبِ”، وهذا ما يُسمَّى في القرآن الكريم بالقطع.
للقطع دلالة خاصة في الآيات القرآنية، فهذه الكلمة تنصب على الذم وتنصب على القطع بغرض الذم، وهذا يعني أنَّ الله تعالى ذمَّ زوجة أبي لهب في هذه الآية الكريمة مرتين اثنتين، الأولى باستخدام أسلوب القطع المذكور آنفًا، والثانية لاستخدام صيغ المبالغة “حمَّالة” والتي هي على وزن فعالة.
اقرأ أيضًا:
المصادر: