سورة النصر من السور المدنية، وكان نزولها على النبيّ بعد سورة التوبة، وهي السورة العاشرة بعد المئة حيث تقع في الجزء الثلاثين والحزب الستين، ويستعرض موقع معلومات في هذا المقال فضل سورة النصر ومقاصدها مع توضيح بعض التأملات في هذه السورة الكريمة.
فضل سورة النصر
ورد في فضل سورة النصر العديد من الأحاديث التي تؤكد مدى عظم مكانة هذه السورة المباركة مثل حديث علي: “يا علي مَنْ قرأها أَنجاه الله من شِدّة يوم القيامة، وله بكلّ آية قرأها ثوابُ المستغفرين بالأَسحار، يا علي مَنْ قرأها كان في الدّنيا في حِرْز الله، وكان آمنًا في الآخرة من العذاب، وإِذا جاءَه مَلك الموت قال الله تعالى له: أَقرئ عبدي مني السلام، وقل له: عليك السلام، وله بكلّ آية قرأها مثلُ ثواب مَن أَحسن إِلى ما ملكت يمينه”. (( الراوي: عبدالله بن عباس | المحدث: أحمد شاكر | المصدر: مسند أحمد، الصفحة أو الرقم: 5/50 | خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح ))
كما جاء في الحديث أن قراءة سورة النصر تعادل ربع القرآن، حيث قال رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- لرَجلٍ من أصحابِهِ: هل تزوَّجتَ يا فلانُ قالَ: لا واللَّهِ يا رسولَ اللَّهِ ولا عِندي ما أتزوَّجُ بِهِ قالَ: أليسَ معَكَ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) قالَ: بلَى قالَ: ثلُثُ القرآن، قالَ: أليسَ معَكَ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ والْفَتْحُ قالَ: بلى، قالَ: ربعُ القرآن، قالَ: أليسَ معَكَ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) قالَ: بلَى، قالَ: ربعُ القرآن قالَ: أليسَ معَكَ (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ) قالَ: بلى، قالَ: ربُعُ القرآن قالَ تزوَّجْ تزوَّجْ”. (( الراوي : أنس بن مالك | المحدث : الترمذي | المصدر : سنن الترمذي، الصفحة أو الرقم: 2895 | خلاصة حكم المحدث : حسن ))
مما يدل أيضًا على فضل سورة النصر: عن جبير بن مطعم: قال لي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أتُحِبُّ يا جُبَيرُ إذا خرَجْتَ في سفرٍ أن تكونَ مِن أمثَلِ أصحابِك هيئةً وأكثرِهم زادًا فقلتُ نَعَمْ بأبي أنت وأمِّي قال فاقرَأْ هذه السُّورَ الخَمْسَ { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } و { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ } و { قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ } و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ } و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } وافتَتِحْ كلَّ سورةٍ ببسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ واختِمْ قِراءتَك ببسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم قال جُبَيرٌ وكنتُ غنيًّا كثيرَ المالِ فكنتُ أخرُجُ في سفرٍ فأكونُ أبَذَّهم هيئةً وأقَلَّهم زادًا فما زِلْتُ منذُ علَّمَنيهنَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقرَأْتُ بهنَّ أكونُ مِن أحسَنِهم هيئةً وأكثرِهم زادًا حتَّى أرجِعَ مِن سَفَري. (( الراوي : جبير بن مطعم | المحدث : الهيثمي | المصدر : مجمع الزوائد، الصفحة أو الرقم: 10/136 | خلاصة حكم المحدث : فيه من لم أعرفهم ))
عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: “ما صَلَّى النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- صَلَاةً بَعْدَ أنْ نَزَلَتْ عليه: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ والفَتْحُ} إلَّا يقولُ فِيهَا: سُبْحَانَكَ رَبَّنَا وبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي”. (( الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 4967 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] ))
مقاصد سورة النصر
تعتبر سورة النصر ثاني أقصر السور في القرآن الكريم بعد سورة الكوثر، وهي على صغرها إلَّا أّنَّها تزف البُشرى لرسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، فالمقصد الرئيس من مقاصد سورة النصر هو خبر البشرى السارة بالنصر والفتح المبين للنبيِّ -عليه الصَّلاة والسَّلام-، حيث تشير الآيات إلى أنَّ نصر الله وفتحه العظيم قريب لا شكَّ فيه أبدًا.
قال تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}، يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: “والمراد بالفتح فتح مكة قولًا واحدًا؛ فإنَّ أحياء العرب كانت تُلَوِّحُ بإسلامها فتح مكة، يقولون: إن ظهر على قومه فهو نبيُّ، فلما فتح الله عليه مكة دخلوا في دين الله أفواجًا، فلم تمضِ سنتان حتَّى استوثقت جزيرة العرب إيمانًا ولم يبقَ في سائرِ قبائل العرب إلا مظهر للإسلام”، وكان فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة وقد دخلت القبائل العربية في الإسلام بعد الفتح أفواجًا بالفعل.
وأمَّا مقاصد سورة النصر فيما تبقَّى من السورة، فيقول الله تعالى: {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا}، يقول الطبري في تفسير هذه الآية: “فإن قيل: فماذا يغفر للنَّبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- حتَّى يؤمر بالاستغفار؟ فقيل: كَانَ النَّبِيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يقول في دعائه: ربِّ اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري كلِّه، وما أنتَ أعلم به منِّي، اللهم اغفر لي خطاياي وعمدي، وجهلي، وهزلي، وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمتُ وما أخَّرتُ، وما أسررتُ وما أعلنتُ، أنتَ المقدِّمُ وأنت المؤخِّرُ، إنَّك على كلِّ شيء قدير”.
أمَّا في قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}، في هذه الآية الكريمة فعل أمر بالتسبيح والثناء والذكر، وطلب المغفرة، وفيها تأكيد على أنَّ الله -سبحانه وتعالى- توَّاب رحيم، ومعنى هذه الآية يتقاطع مع قوله تعالى في سورة غافر: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، وهذه الآية أيضًا ترتبط بالآيتين السابقتين، فالتسبيح والحمد شكر لله تعالى على نصره الذي وعدَ المسلمين به، والله تعالى أعلم.
تأملات في سورة النصر
في الحديث عمَّا وردَ من تأملات في سورة النصر، بداية تجب الإشارة إلى أنَّ التأملات المقصودة في لمسات بيانية بلاغية في كلام الله تعالى وآياته العظيمة، وفي سورة النصر على وجه الخصوص، ففي هذه السورة يقول الله تعالى في الآية الأخيرة: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}، بينما يقول الله تعالى في سورة نوح: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا}، يقول الدكتور فاضل السامرائي إنَّ سورة النصر جمعت بأسلوب الشرط الأول كلَّ أهداف الرسالة المحمدية، وهي نصر الله تعالى وفتحه ودخول الناس في دين الله أفواجًا.
جاءَت الآية الأخيرة تأمُرُ بالتسبيح والحمد والاستغفار، فتمام الرسالة هو تمام النِّعمة على رسول الله، والشكر على قدر النعمة، فنصر الله وفتحه ودخول الناس في دينه أفواجًا يقتضي التسبيح والحمد والاستغفار؛ لأنَّ الطاعة على قدر النِّعمة.
أمَّا قوله تعالى: {إنَّه كان توَّابًا}، ففي هذه الكلمات إشعارٌ بالتوبة وفيها احتباك لمعنى وَتُبْ، أي المعنى في هذه الكلمات الأخيرة من السورة هو أمر إلهي لرسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم- بالتوبة، وأمَّا سورة نوح فنبي الله نوح -عليه السلام- كان يدعو قومَه ويبشرهم بأنَّ الله تعالى غفَّار للذنوب حتَّى يرغبهم بالاستغفار والرجوع إلى الله تعالى، والله أعلم.
اقرأ أيضًا:
المصادر: