سورة الماعون من سور القرآن الكريم المكيّة، وترتيبها في المصحف الشريف السورة رقم مئة وسبعة، وعدد آياتها سبعُ آيات، تتحدّث السورة عن الإيمان عندما يستقر في القلب، وكيف أنّ هذا الإيمان يتحرّك ويدفع الإنسان للقيام بالعمل الصالح، وإن لم يحدث هذا التحرك، فهذا يُعدّ دليلًا على أنّ الإيمان لم يوجد في القلب. ويستعرض موقع معلومات في هذا المقال فضل سورة الماعون ومقاصدها.
فضل سورة الماعون
لم يَرِد في هذه السور الكريمة فضلٌ على وجه الخصوص إلا ما جاء في فضل قراءة آيات القرآن الكريم عمومًا فالحرف بحسنةٍ والحسنة بعشرة أمثالها، وإنما ما جاء من أحاديث متداولة بين الناس تخصها بالفضل هي أحاديث موضوعة مثل حديث: “من قرأ سورة أرأيت غفر الله له إن كان للزكاة مؤديًا” (( الراوي : أبي بن كعب | المحدث : ابن حجر العسقلاني | المصدر : الكافي الشاف، الصفحة أو الرقم: 327 | خلاصة حكم المحدث : موضوع ))
لكن عدم ورود أحاديث صحيحة في فضل سورة الماعون، لا يمنعنا من التذكير بمدى عظم مكانة هذه السورة المباركة خاصّة أنها تشتمل على عدّة أمور توجه المسلم كي يتبعها في حياته، كما تُعلمه بضرورة ترك بعض الأشياء التي تجعله مرائيًا أو منافقًا، ومن فضلها ما يأتي:
- تدعو إلى إطعام المسكين واليتيم، وتنهى عن الجور على اليتيم.
- تحثّ على الصلاة في وقتها وعدم تأخيرها أو التهاون فيها.
- تُشجّع على القيام بالمعروف وبذل الماعون لمن يحتاجه، والماعون ما يتعاوره الناس فيما بينهم، مثل: الدلو والإناء والفأس والكتاب، وذم من يفعل هذا.
- تحثّ على أن يكون الإنسان مخلصًا في عمله، كما تحذر من النفاق والرياء وطلب السمعة.
مقاصد سورة الماعون
مقاصد سورة الماعون كثيرة واسعة شاملة، فهي سورة من سور الكتاب المعجز التي على قصرها وقلة كلماتها حملتْ مجموعة من الأحكام والأوامر التي تصنف في مقاصد سورة الماعون.
يقول الله -تبارك وتعالى- في هذه السورة: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}، ففي الآية الأولى أسلوب استفهام واضح وخطاب موجَّه إلى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، أي: هل رأيت يا محمَّد الذي يكذّب بثواب الله وعقابه, فلا يطيعه في أمرهِ ونهيهِ، وهذا المعنى -معنى تكذيب المشركين للدين- ورد في سورة الواقعة في قوله تعالى: {وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ}.
وجديرٌ بالقول إنَّ المقصد الرئيس من مقاصد سورة الماعون يظهر في الآية الثانية حيث تشير الآية إلى من يقهر اليتيم ويظلمه ويأكل رزقَهُ ومالهُ، ومن المعروف إنَّ اليتيم هو من مات عنه أبوه قبل أن يصلَ سنَّ البلوغ سواء كان ذكرًا أو أنثى، فالذي يكذِّبُ بالدين هو الذي يظلم اليتيم ويدفعه عن حقه.
وفي الآية الثالثة إشارة أخرى إلى المكذب بالدين الذي يحرم اليتيم من حقه والذي ولشدة بخله لا يساهم في إطعام المساكين ولا يحثُّ الناس على إطعامهم أيضًا، وهذا المعنى جاء في سورة الفجر في قوله تعالى: {كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِين}.
أمَّا في قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}، فالويل هو العذاب وقيل أيضًا هو اسم وادٍ من أودية جهنَّم، وهاتان الآيتان مرتبطان ببعضهما ارتباطًا وثيقًا، فالويل والعذاب ليس للمصلّين فقط، بل للمصلين الذين يسهون عن صلاتهم، لذلك يجب أن تُقرأ الآيتان معًا حتَّى يتم المعنى، والسهو في الصلاة هو تأخيرها وعدم صلاتها في وقتها، وفي حديث إسناده حسن، قال مصعب بن سعد: “قُلتُ لأبي: يا أبَتاهُ أرأيتُ قولَهُ تبارك وتَعالى: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}، أيُّنا لا يَسهو وأيُّنا لا يُحدِّثُ نَفسَهُ؟ قالَ: لَيسَ ذاكَ؛ إنَّما هوَ إضاعةُ الوَقتِ، يَلهو حتَّى يَضيعَ الوقتُ”. (( الراوي : مصعب بن سعد | المحدث : المنذري | المصدر : الترغيب والترهيب، الصفحة أو الرقم: 1/265 | خلاصة حكم المحدث : إسناده حسن ))
وقيل أيضًا الساهون هم الذين يتركون الصَّلاة فلا يصلُّونها، أمَّا قوله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}، فيقصد الله تعالى المنافقين الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر والشرك، والرياء من النفاق، أمَّا الماعون فهو المنفعة من كلِّ شيء، ومنع الماعون أي منع الناس مما لديهم من المنفعة مهما صغرتْ هذه المنفعة، والله تعالى أعلم.
تأملات في سورة الماعون
في سردِ ما وردَ من تأملات في سورة الماعون، برع الدكتور فاضل السامرائي في مسألة التأملات في سور الكتاب وخاصَّة في طرح اللمسات البيانية والبلاغية في آيات القرآن الكريم، وفي سورة الماعون تحديدًا يقول الله تعالى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}، إنَّ كلمة الماعون في الآية الكريمة جاءت في مكانها وأدَّت معانٍ كثيرة، وهذا -كما أوضح الدكتور فاضل صالح السامرائي- من بلاغة القرآن الكريم وبيانه.
فالماعون في اللغة هو اسم يجمع كلَّ ما فيه منفعة، حيث يُطلق على القِدْرِ والفأس والقصْعَة والمال وكلِّ ما يمكن أن يستعين به الإنسان أو يعين به غيره في الحياة، حتَّى الزكاة من الماعون، وهو كلُّ ما جرتِ العادة بإعارته بين الناس، لذلك إنَّ مقصد الله تعالى في استخدام كلمة الماعون هو إظهار منتهى البخل والشح عند هؤلاء الفئة من الناس.
جاءت سورة الماعون مُناسِبة لما قبلها من السور، إذ جاءت بعد سورة قريش، التي نوّهَت إلى أمرٍ عظيم وهو الأمن بعد الخوف والشبع بعد الجوع، إذ إنّ الحياة لا تكون حياة صالحة إن كانت بالجوع والخوف، ولهذا نزلت الماعون بعدها لتضرب على الوتر نفسه، وتهزَّ المشاعر وتوجّه البوصلة بالاتجاه الصحيح.
وأكّدت السورة على وجوب إطعام الطعام وإعطاء الماعون وعدم منعه، كما أكّدت على العطف على اليتيم وعدم زجره، وبهذا جاءت مناسبة نزولها كتكملة للتربية الإيمانية التي يُربّي الإسلام عليها المؤمنين.
اقرأ أيضًا:
المصادر: