تعتبر سورة قريش من سور المفصل، يبلغ عدد آياتها أربع آيات فقط، فهي من قصار سور الكتاب، وهي السورة السادسة بعد المئة في ترتيب سور المصحف الشريف، حيث تقع هذه السورة في الجزء الثلاثين وفي الحزب الستين، ويستعرض موقع معلومات في هذا المقال فضل سورة قريش وفوائدها بالإضافة إلى اللمسات البيانية في السورة.
فضل سورة قريش
جدير بالذكر إنَّ القرآن الكريم كلُّه عظيم مبارك، تلاوته خير وحفظه خير، وتطبيق أحكامه صلاح وهداية، قال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}، وقال تعالى في سورة النحل: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}، وبالطبع فإن فضل قراءة القرآن الكريم ينطبق أيضًا على قراءة سورة قريش.
أمَّا فضل سورة قريش، فلم يرد أي حديث صريح يبين فضل هذه السورة دون غيرها من سور الكتاب، غير أنَّها وردت في حديث حسنه الألباني، وهو عن أم هانئ بنت أبي طالب -رضي الله عنها- إنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: “فضَّلَ اللهُ قُرَيْشًا بسبْعِ خِصَالٍ، لَمْ يُعْطَها أحدٌ قَبْلَهم، ولَا يُعطَاها أحدٌ بَعْدَهم، فَضَّلَ اللهُ قُرَيْشًا أَنِّي منهم، وأنَّ النبوةَ فيهم، وأنَّ الحِجَابَةَ فيهم، وَأنَّ السقايَةَ فيهم، ونصرهم على الفيلِ، وعبدوا اللهَ عشرَ سنينَ، لا يعبُدُهُ غيرُهم، وأنزَل اللهُ فيهم سورةً مِنَ القرآنِ لم يُذْكَرْ فيها أحدٌ غيرٌهم لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ”. (( الراوي : فاختة بنت أبي طالب أم هانئ | المحدث : السيوطي | المصدر : الجامع الصغير، الصفحة أو الرقم: 5860 | خلاصة حكم المحدث : صحيح ))
ومما يدل على عظم مكانة سورة قريش: “عنِ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قال: “لِإيلافِ قُرَيْشٍ* إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ” ويحكم يا قريشُ اعبُدوا ربَّكم الذي أطعَمَكُم مِّن جوعٍ وآمَنَكُم مِّن خوفٍ”. (( الراوي : أسماء بنت يزيد أم سلمة الأنصارية | المحدث : الهيثمي | المصدر : مجمع الزوائد، الصفحة أو الرقم: 7/146 | خلاصة حكم المحدث : فيه عبيد الله بن أبي زياد القداح وشهر بن حوشب وقد وثقا وفيهما ضعف وبقية رجال أحمد ثقات ))
وجاء في فضل هذه السورة أيضًا عن المعرور بن سويد قال: “خرجنا مع عمرَ في حجَّةٍ حجَّها، فقرأ بنا في الفجرِ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعْلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ولِإيلَافِ قُرَيْشٍ، فلمَّا قضَى حجَّه ورجع والنَّاسُ يبتدِرون، فقال: ما هذا؟ فقال: مسجدٌ صلَّى فيه رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-، فقال: هكذا هلك أهلُ الكتاب، اتَّخذوا آثارَ أنبيائِهم بِيَعًا! من عرَضتْ له منكم فيها الصَّلاةُ، فليُصَلِّ، ومن لم يعرِضْ له منكم فيه الصَّلاةُ فلا يُصَلِّ”. (( الراوي : معرور بن سويد الأسدي | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج مشكل الآثار، الصفحة أو الرقم: 12/545 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح ))
أما ما يُتناقل بين الناس في فضل سورة قريش وأنّ قراءتها سببٌ للحصول على الأمن والاستقرار فهو من الأحاديث الموضوعة مثل حديث: ” مَنْ قَرَأَ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ فَأَكْثَرَ مِنْ قِرَاءَتِهَا بَعَثَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى مَرْكَبٍ مِنْ مَرَاكِبِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَقْعُدَ عَلَى مَوَائِدِ النُّورِ “. (( الراوي : أبي بن كعب | المحدث : ابن حجر العسقلاني | المصدر : الكافي الشاف، الصفحة أو الرقم: 325 | خلاصة حكم المحدث : موضوع ))
فوائد سورة قريش
لا بدّ من المعرفة بأنّ سورة قريش لها صلة بسّورة الفيل التي قبلها، حيث بيّن الله تعالى في سورة الفيل فضله ومنّته على قريش في مكّة، بما فعله بأصحاب الفيل، الذين جاؤوا بجيوشهم وفيلتهم التي لم يكن لأهل مكّة عهد بها عازمين على هدم الكعبة، وفي هذه السورة حيث بيّن الله تعالى نعمة أخرى عظيمة من نعمه على أهل مكّة، وهي رحلة الشّتاء والصّيف، ومن فوائد هذه السّورة:
- إن نعم الله على عباده عديدة ولا تحصى، ومن أعظم هذه النّعم بعد نعمة الإيمان: نعمة الأمن نعمة الطّعام والشّراب، قال الله تعالى ممتنًّا على عباده بنعمة الأمن: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُون}، وقال أيضّا ممتنًّا عليهم بنعمة الغذاء: {فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِه * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا * فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُم}.
- إنّ دوام هذه النّعم واستمراريّتها وبقاءها يستلزم شكرها، ويكون ذلك بالوقوف عند أوامر الله تعالى ونواهيه، قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد}.
- إنّ شكر هذه النّعم إنّما يكون بالقلب ثمّ بالقول ثمّ يقرن بالعمل، قَالَ تَعَالَى: {وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ}، وإنّ ذهاب هذه النّعم يكون بكثرة المعاصي والذّنوب، قَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَار * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَار}.
تأملات في سورة قريش
للوقوف على اللّمسات البيانيّة والتأملات في سورة قريش، فقد تحدّث الدّكتور فاضل السّامرّائي عن سبب تقديم الجوع على الخوف في سورة قريش في قوله تعالى: {الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}، بينما قدّم الخوف على الجوع في سورة البقرة في قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ}.
السر في ذلك أنه عندما كان الحديث عن رحلة قريش، وهي رحلة تجارة وطلب للرّزق، والرّزق هو طعام، فقدّم الجوع على الخوف، وكذلك عندما قدّم رحلة الشّتاء على رحلة الصّيف، فالنّاس في الشّتاء يحتاجون إلى الطعام أكثر من الصّيف لذلك قدّم الجوع وأخّر الخوف، وبالمقابل النّاس يحتاجون في الصّيف إلى الأمن أكثر من الطّعام، لذلك أخّر الخوف ليتناسب مع تأخير الصّيف.
أمّا في سورة البقرة فقد قدّم الخوف على الجوع في قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ}، لأن سياق الحديث في هذا الكان كان عن الحرب والقتل، حيث تسبق هذه الآية آية تتحدّث عن المعارك الإسلامية والجهاد في سبيل الله، في قوله تعالى: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ}، والنّاس في الحرب هم أحوج للأمان من الطّعام ولذلك قدّم الخوف على الجوع.
اقرأ أيضًا:
المصادر: